أجندات إقليمية وراء هجوم المالكي على قطر والسعودية

alarab
حوارات 10 أبريل 2012 , 12:00ص
أجرى الحوار: إياد الدليمي
قال الباحث في القضايا الاستراتيجية، العراقي الدكتور عبدالوهاب القصاب، إنه كان على حكومة العراق برئاسة نوري المالكي الاستفادة من الدبلوماسية القطرية النشطة والناجحة بدلا من مهاجمتها. واستغرب القصاب في حوار مع «العرب» الهجوم الذي شنه المالكي على كل من قطر والسعودية، مؤكداً أنه يخلو من الدبلوماسية والأصول المتعارف عليها لرجل يفترض أنه، بحكم القمة التي عقدت في بلاده، سيقود العمل العربي لعام كامل. ورأى في الدور القطري خلال عام الربيع العربي أنه كان متميزا، واصفا قطر بأنها تتوفر على سياسة خلاقة وقدرة مبادرة واسعة النطاق أكسبتها احترام الإقليم والمجتمع الدولي، ولديها القدرة على أن تقوم بكثير من المهمات الصعبة التي فشل بها الآخرون. وفي السطور التالية نص الحوار:  أين تضع الهجوم الذي شنه رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي على قطر والسعودية عقب انتهاء مؤتمر القمة؟ - إذا أخذنا الموضوع بالمعايير الدبلوماسية فهو أمر مستغرب، لا يجوز لرجل تبوأ -نتيجة للقمة- قيادة العمل العربي للسنة القادمة أن يهاجم بهذا الشكل الذي يخلو من الدبلوماسية والأصول المتعارف عليها على دولتين من أعضاء الجامعة العربية إحداها دولة مؤسسة للجامعة العربية وهي السعودية وهي أيضاً دولة كبرى لا يمكن نكران دورها، والدولة الثانية هي قطر التي تأخذ المبادرة في كثير من الملفات الدبلوماسية على الصعيد الدولي وأصبح معترفا بها دوليا في ريادتها بالعمل، عندما تقارن ما كان يتكلم عنه المالكي قبل القمة وبعد القمة مباشرة تستغرب، ليس هذا الأسلوب «وما هكذا تورد يا سعد الإبل»، كما يقولون، ليس هكذا يقاد العمل العربي المشترك، ولكن أنا قلت تستغرب ولكن من ناحية ثانية أنا لم أستغرب هذا الأسلوب، فهو ممارسة لها ما سبقها، يمكن أن نعيد إلى الأذهان الطريقة التي تحالف بها مع سوريا اليوم وهجم عليها في اليوم التالي مباشرة بل اشتكى عليها لدى مجلس الأمن وحاول أن يحشد جهدا كبيرا ضدها، ثم ما لبث أن تراجع ونراه اليوم حليفا للنظام السوري، هذه ليست تحالفات تكتيكية وليست مرونة في العمل السياسي وقدرة في التعامل والتفاعل مع الأحداث هذا يشير إلى قصور بيِّن في طبيعة العلاقات الدولية، التي تقوم أساسا على مبدأ الحوار ومبدأ حل المشاكل بالطرق السلمية والدبلوماسية فما بالك والرجل تصدر للعمل العربي في القمة، وأعتقد أن العرب لو كانوا يعلمون أن الرجل سيتصرف بهذا الشكل لما أتوا إلى بغداد، حتى الدول التي أتت إلى القمة وشاركت بتمثيل دون المستوى، هي شاركت ولم تعترض وتقاطع القمة ولكن أنا كما أقول أن الأسلوب مستغرب ولكن ليس مستغربا من شخصية مثل المالكي.  هل تعتقد أن التمثيل المتدني لقطر والسعودية كان وراء هذا الهجوم؟ - أبداً، لو كان كذلك لهجم عليهم قبل المؤتمر وليس بعده، ثم إنه كان هناك انحياز واضح لنظام بشار الأسد بعد القمة مباشرة علما أنه أرسل مؤشرات قوية على أنه سوف لن يقوم بعرقلة أي جهد عربي مما يجري في سوريا، هناك قصور في فهم طبيعة الحركة الدبلوماسية من جهة ومن جهة هناك الكثير من البصمات الشخصية التي تعكس طبيعة البناء الشخصي للناس الماسكين بالسلطة.  يقال إن استقبال قطر والسعودية لنائب رئيس الجمهورية العراقي طارق الهاشمي كان بمثابة صفعة لحكومة نوري المالكي؟ - طارق الهاشمي هو نائب رئيس الجمهورية حتى اللحظة وهو مشمول بحصانة وفقا للدستور، ثم ليس هناك أية معاملة حقيقية قدمت لرفع الحصانة عنه وإحالته إلى القضاء، العمل كله سياسي، وهو أمر متفق عليه بأن العملية مفبركة وسياسية وقد تختلف مع الهاشمي أو تتفق معه ولكنه في المحصلة هو واحد من أنضج السياسيين وأفضلهم، بل هو يتميز على الكثيرين.. لاحظ أن الهاشمي يبادر أولا في كشف ذمته المالية، لم نسمع عن رئيس الوزراء أو أي وزير آخر قام بذلك، الهاشمي فيه خصائص جعلت منه خصما للكثير من الموجودين في السلطة حاليا ناهيك عن النفس والدافع الطائفي الذي كان واضحا، أما اعتبار استقباله هنا أو في الرياض يمثل صفعة فأعتقد أنه يمكن أن يكون هكذا، ولكن هذه الزيارة كان مخططا لها سابقا وأشار إلى ذلك الهاشمي، أي دولة تستقبل الهاشمي ستستقبله على أنه أحد رموز القيادة العراقية الحالية ولن تزج بنفسها في إشكالات السياسة العراقية، فما يجري في العراق هو مزاد سياسي واضح.  يقال إن المالكي يقوم بدور تصعيدي ضد قطر والسعودية خدمة لأجندات إقليمية؟ - هذا الكلام صحيح إلى حد كبير، في واقع الحال ليس هناك من مشكلة حقيقية، من مصلحة العراق أن تكون له علاقة طيبة مع جواره العربي، ولكن هنالك قطاعات في إيران تحديدا في أجهزة السلطة، وليس كل أجهزة السلطة، تحاول هذه القطاعات أن تصعد مع المملكة العربية السعودية، ومع قطر ايضا، لأسباب معروفة، وبودّي أن أشير هنا إلى أن قطاعات مهمة في إيران تستنكر هذا التصرف حتى من قبل دوائر إيرانية، والذي يعود إلى تصريحات هاشمي رفسنجاني بعد أن جددت له مهمة رئاسة تشخيص مصلحة النظام، قال إنه لو كان هناك الذين يعرفون داخل إيران ولم يدفعوا إلى أن تتعقد الأمور بين إيران والمملكة العربية السعودية، لقلَّت مشاكل إيران إلى %90، وهذا تصريح واضح على أنه يهاجم أولئك غير العقلانيين الذين يستهدفون المملكة العربية السعودية، لم يستهدفون السعودية؟ هنالك من يقول إنه ربما تكون هناك منافسة على الخليج بين السعودية وإيران، لكن في واقع الحال هنالك الكثير من الدول الكبرى إقليميا أو دوليا بينها مماحكات ولكن لا يخرج هكذا، خذ الهند والصين مثلا.. هما دولتان بينهما مشاكل كثيرة، ولكنك لن تجد عملية الاختلاف بالشكل الذي نراه تجاه السعودية، التعبير في حالة السعودية هو تعبير طائفي محض، ليس هناك حتى شبهة في أن سبب الاختلاف هو تنافس استراتيجي على المكان، الموضوع طائفي، وإيران تحت قيادة رجال الدين الموجودين حاليا وتحت سلطة الولي الفقيه كانت هذه سمة حركتها، انظر إلى علاقتها مع العراق حتى قبل الاحتلال، كانت السمة الطائفية واضحة، هناك نظرية تقول إن العراق يقاد من قبل طائفة مخالفة للتي تحكم في إيران ولذلك يجب أن نستهدف هذا كعدو، وهذا ليس مع دول قريبة فقط وإنما حتى مع دول بعيدة، مشكلة إيران مع مصر أيضاً منطلقة من أساس طائفي، لسوء الحظ أن الحاكمين في العراق سمحوا لأنفسهم بأن يكونوا من الوسائل التي يعول عليها الجار الشرقي للأمة العربية، لسوء الحظ فعلا.  كيف تنظر لدور قطر خلال مرحلة الربيع العربي؟ - قطر تتوفر على سياسة خلاقة وقدرة مبادرة واسعة النطاق أكسبتها احترام الإقليم والمجتمع الدولي، لديها القدرة على أن تقوم بكثير من المهمات الصعبة التي فشل فيها الآخرون، وأنا أعتقد، والكلام موجه للحكومة العراقية، أنه كان عليهم أن يعوا القدرة واسعة النطاق والمرونة التي تتمتع بها الدبلوماسية القطرية بأن يجعلوها عونا لهم لا أن يهاجموها. * هل تعتقد أن المالكي وبعد ما سوقه عن نجاح القمة بدأت نبرته تتغير تجاه الكثير من الملفات الداخلية والخارجية، هل كان هذا النجاح المزعوم وراء تغيير هذه النبرة؟ - شئنا أو أبينا في واقع الحال أن القمة نجحت رغم التمثيل المتدني، الذي جرى أن الدول العربية بالإجماع حضرت القمة ووقعت على بيان، العراق نجح في توظيف القمة العربية في هذه المرحلة لصالحه، المالكي حاول أن يجير القمة وما خرجت به لصالحه، علما أن رئيس وفد العراق للقمة هو رئيس الجمهورية وليس رئيس الوزراء، أنا في بداية حديثي قلت إن من المستغرب على الصعيد النظري وليس التطبيقي، أن ينقلب رئيس الوزراء العراق على خطاباته، ومنها خطاباته التي كانت تصالحية مع العرب وهو يشيد ويشير للانتماء العربي للعراق، من المستغرب أن ينقلب بهذا الشكل بعد انتهاء القمة، أنا أتفق معك في أن العملية التي تجري حاليا هي عملية توظيف لمخرجات القمة لصالح القابضين على السلطة في العراق.  لماذا هذا الإصرار والدفاع المستميت من قبل المالكي عن نظام الأسد.. هل فعلا أن المالكي يخشى من تداعيات سقوط الأسد على المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص؟ - نعم هو خائف من سقوط بشار الأسد وتداعياته على العراق وعلى إيران بشكل رئيسي أيضا.  ما أوجه الخوف التي يمكن أن يحملها سقوط نظام الأسد على العراق وإيران؟ - أولا أنه سيحمل قائمة لها أول وليس لها آخر من التساؤلات داخل إيران، نظام المرشد في إيران وظف الكثير من استثماره السياسي في سوريا لخلق هذا المحور، ثم احتوى واستوعب السلطة الحاكمة في العراق لصالحه لخلق هذا المحور الذي يبدأ من أواسط آسيا وإلى شرق البحر المتوسط، هذه حيازة استراتيجية كبيرة وعظيمة، عندما تخسرها إيران سيثار التساؤل داخل إيران من قبل الرأي العام، ما الذي كسبناه إذن؟ أي مكسب حققتم لنا أيها الحكام الذين تحكموننا منذ 1979 وحتى اليوم؟! ولا ننسى أن هناك شرخا واسع النطاق داخل المجتمع الإيراني، التساؤلات ستثور والشعب الإيراني لن يقبل كما لم يقبل الشاه ورفض الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أتت قبل موعدها بسنتين، عندما ستحصل هبّة في إيران لن تتوقف، أنا أتساءل الآن عن نظام الحكم الذي يرتكن إلى الطائفية في العراق، أين سيكون موقعه عندما لا يكون بشار الأسد ولا يكون هناك دولة مرشد في إيران؟ هذه هي الخشية، أحدهم قال إن القتال سيكون على أسوار بغداد، عملية تمويه وليّ للحقائق، لن يكون هناك قتال على أسوار بغداد ولكن أنا متأكد أن المنطقة الخضراء لن تكون آمنة.  يعني أن المالكي خائف على عرشه في بغداد بعد سقوط بشار؟ - هو لم يؤسس عرشا، أنا متأكد من أنه يرغب في تأسيس عرش، ولكنه أكيد عندما سيسقط نظام الأسد فإن هذا الضغط الكبير الموجود في غرب العراق لن يكون سهلا.  دفاع المالكي عن بشار الأسد نابع من أسباب طائفية أم حزبية أم مصلحية؟ - يمكن القول إنها كل هذه التي ذكرت، الطائفة لها دور طبعا، كنا نتمنى أن يكون الموجودون في العراق أكثر حصافة، خاصة عندما ينظرون إلى مكونات المجتمع العراقي، المجتمع العراقي ليس من لون الجهة التي تحكم الآن، هم لم يشكلوا إلا الثلث، هنالك ثلثان، وإذا ما نظرنا إلى هذين الثلثين من زاوية طائفية يتناغمان طائفيا، وفي هذا خطورة كبيرة على المالكي، ليتوقعوا كيف لو أن اللونين «العرب السنة والأكراد» توحدا؟ أنا أتساءل أين هي الحكمة وفلسفة إدارة الدولة، هذه كلها غير موجودة.  هل وصل دفاع المالكي عن بشار الأسد أن تحول العراق إلى ممر ومعبر للسلاح الإيراني، وتقديم المال والرجال للدفاع عن الأسد؟ - لكي أجيب على هذا السؤال ينبغي أن أكون مطلعا على هذه التفاصيل، ولكن هناك تكهنات، ولدينا مثل يقول ليس هناك من دخان دون نار، وهناك فعلا مسعى لإسناد الأسد استمعنا إليه ممن هم داخل السلطة أو ممن هم مساندون لها من ميليشيات وأحزاب وغيرها.  هناك اليوم أزمة بين بغداد وأربيل بالإضافة إلى مشاكل بين الحكومة والعديد من أطراف العملية السياسية.. برأيك إلى أين يمكن أن تقود سياسات المالكي دولة مثل العراق؟ - لسوء الحظ بدأنا ننظر إلى العراق باستقطاب محوري، نضع بغداد عاصمة العراق وحتى المنطقة، نضعها بمقابل أربيل التي كان العراقيون ينظرون إليها على أنها العاصمة الصيفية للعراق، ولكن سوء ممارسة السلطة من قبل الماسكين بها، أدى إلى أن يحصل شيء من الاستقطاب ضمن المكونات العراقية، وأنا قلت إن فيها خطورة، خطورة عليهم هم أيضا، هم أتوا إلى السلطة نتيجة صفقة عقدت في أربيل، وهذه الصفقة شكلت بموجبها الحكومة مقابل مجموعة من الإجراءات اللاحقة التي كان ينبغي على رئيس الوزراء وفريقه أن يقوموا بها إلا أنهم تنكروا لها كما تنكروا لغيرها من قبل، أن تستهدف الاتفاق ومن رعى الاتفاق والمصالح الأخرى المترتبة عليه وأن تقصي الناس بناء على قناعة بأنه يجب أن لا ينفذ هذا الاتفاق ومن زاوية ضيقة، نحن استمعنا إلى تسجيل صوتي رد فيه المالكي على قصيدة شعبية قائلا «كيف يمكن أن نتركها» ما هذا الاستحواذ؟ أنت أتيت على وفق دستور، رغم تحفظنا عليه، هذا الدستور يؤمن بتداول السلطة وأنت لم تسمح بتداول السلطة، الانتخابات أشارت إلى أنه يجب أن تذهب أنت وأتت بغيرك، قاموا بلعبة وشكلوا تحالفا وهو أكيد مبني على أساس طائفي واضح، وكل هذا سببه وهدفه هو الاستحواذ على الكرسي، ما يحصل الآن هو ردة فعل طبيعية، والهجوم الذي استمعنا إليه كان ردا على هجوم أجهزة السلطة في العراق على إدارة الإقليم، الموجودين في أربيل هم واحد من ثلاثة، والموجودون في بغداد هم واحد من ثلاثة (عربي سني-عربي شيعي-كردي» وهناك واحد من الثلاثة مقصى بشكل كامل، إذن ماذا لو اتفق المقصَون؟  هل يمكن أن نشهد تغييرا في المشهد السياسي العراقي، بمعنى تحالف القائمة العراقية والتحالف الكردستاني لإسقاط حكومة نوري المالكي؟ - لا أريد أن أذهب إلى هذا المدى لأسباب كثيرة لعل أولها، أن لإيران شيئا من النفوذ على المؤسسة السياسية الكردية وتحديدا جماعة السليمانية، لا أعتقد أن الرئيس الطالباني وحزبه سيقوم بقطع العلاقة مع إيران، هذا شيء تاريخي ثابت، الثاني أن الولايات المتحدة حاضرة، فهل ستسمح بتغيير التحالفات؟ هذا سؤال كبير، هل ستسمح بتغيير التحالفات؟  هل ستسمح برأيك؟ - على العكس أنا لا أعتقد أنها ستسمح، خاصة بعد تعيينها هذا السفير الأخير المنحاز دليل على أن الولايات المتحدة لم تستوعب الدرس في العراق بشكل جيد، وتحالفها مع لون واحد من ألوان الشعب العراقي على حساب الألوان الأخرى، يدل على قصور نظر سياسي واستراتيجي كبير.  أليس التقاء للمصالح بين أميركا وإيران؟ - ضعها أينما تريد، ولكن هناك قصور، أنا أستغرب كيف تضحي الولايات المتحدة بمصالحها في هذا المحيط الكبير انطلاقا من الاصطفاف مع لون معين لا يلبي، وهم يعلمون، أن مصالحهم لن تلبى بتحالف تكون فيه إيران الحالية طرفا، نحن لسنا في أيام الشاه، هؤلاء لن يتحولوا إلى شرطي في الخليج للولايات المتحدة قطعا، سيكونون شرطي في الخليج لأنفسهم.  هناك علامة استفهام كبيرة إذن؟ - نعم هنالك علامة استفهام كبيرة، أنا أشعر أن هناك دوائر مهمة في التخطيط الاستراتيجي الأميركي تعاني من قصور واضح في فهم عناصر القوة.  سؤال كثيرا ما يُطرَح: من يملك مفاتيح بغداد ويديرها الآن؟ - بإمكانك أن تقول من الذي يدير المنطقة الخضراء وما تهيمن عليه من مقدرات العراق، بغداد كما رأينا حتى في القمة العربية لم تكن آمنة مئة في المئة، لكن الذي يهيمن على المنطقة الخضراء ببغداد الآن هم السلطة القابضة على مقدرات العراق، ولسوء الحظ لإيران دور كبير في توجيه هؤلاء.  وليس هي المتحكم الفعلي بالأمور؟ - في بغداد؟ لا أبدا، بغداد تعني العراق، الدلائل تشير إلى أنهم لا يتحكمون في بغداد ولا في الشمال العراقي، لا يتحكمون بتهريب النفط في البصرة، هناك نفط يهرب لحساب ميليشيات وجماعات وأحزاب، وما يخسره العراق من هذا يصل إلى مليارات الدولارات كما صرح أحد المسؤولين، الذي لا يتحكم بمفصل بسيط يمكن أن يحل بقوة شرطة وليس بالجيش، تسيطر على المنافذ كيف يمكن أن نقول إنه يسيطر على العراق.  اليوم يجمع المالكي بيده السلطات التنفيذية والوزارات الأمنية وقيادة القوات المسلحة، هل تعتقد أن المالكي يؤسس لدكتاتورية جديدة عبر صناديق الاقتراع؟ - صندوق الاقتراع هو قنطرة تم العبور عليها للوصول إلى هدف، هذه هي نقطة الضعف الكبرى في التوكؤ على ديمقراطية لدى فئة سياسية لا تؤمن بها، في العراق ومنذ عام 1924 وحتى عام 1958 في الحقبة الملكية، جرت سلسلة كبيرة من الانتخابات، شكلت فيها تسعة مجالس، اختلفت فيها طرق الانتخاب، ولكن كان الرأي العام هو الذي ينتخب، كان هناك تنافس بين الأحزاب جزء منها محسوب على السلطة وجزء منها محسوب على المعارضة التي كانت تشكل جبهة الاتحاد الوطني والتي فازت بانتخابات البرلمان قبل الأخير، والاتحاد الوطني كان يضم أحزاب الاستقلال والبعثيين والوطني الديمقراطي والشيوعيين والديمقراطي الكردستاني «البارتي» كان هنالك رئيس الوزراء يستقيل عندما يفقد الأغلبية النيابية سواء كان نوري سعيد أو صالح جبر أو جميل المدفعي أو أيا من رموز العهد الملكي، رحمهم الله جميعا، كان هناك تداول للسلطة مقابل ثبات المؤسسة الملكية، الآن عندما تريد أن تجعل المنصب الثاني في العراق، منصب رئيس الوزراء، هو المنصب الثابت، بهيمنته على السلطة وتهمش المنصب الأول الذي هو مؤسسة الرئاسة، هذا يعني محاولة هيمنة على الوضع وانتقدت حتى من قبل حلفاء رئيس الوزراء الحالي، أن هذا الرجل أو هذا الحزب يريد أن يهيمن على السلطة في العراق.  على ذكر السلطة والملف الأمني في العراق، يقال إن المخابرات الإيرانية والسورية تتبادلان الأدوار في إدارة المشهد الأمني من خلال ميليشيات تنظيمات من بينها القاعدة؟ - هناك علامات استفهام كبيرة على دور القاعدة في العراق، مع تأكيدي على أن أجهزة السلطة الحالية كثيرا ما بشرت الناس بأنها قد قضت على القاعدة وتنظيمات ما يعرف بدولة العراق الإسلامية، نحن نعلم أن التحجيم الوحيد الذي حصل لهذا التنظيم كان على يد أبناء المناطق الغربية والشمالية الغربية ولم يكن للدولة يد فيه ولم يكن للقوات الأميركية يد فيه، الأميركان حاولوا لسنوات القضاء على نفوذ القاعدة ولكنها فشلت، وأبناء هذه المناطق هم الذين صفوا وجود القاعدة، وأحد الدلائل أن رمز القاعدة في حينه أبومصعب الزرقاوي أبعد إلى المنطقة الشرقية، وأنا أعتقد أنه كان في طريقه إلى إيران، التي كانت هي الممر الذي تلجأ إليه القاعدة عندما ضيق عليها في أفغانستان، وليس هناك من ينكر أن هناك قيادات مرموقة من القاعدة موجودة في إيران الآن، أما أن يكون هناك تنسيق مباشر أو غير مباشر، فأعتقد أننا بحاجة إلى معلومات أمنية ومخابراتية قبل الإجابة عنه، ولكن هناك شيء من التقاء المصالح لا ينكر، وأحد رموز العملية المخابراتية الإيرانية، قاسم سليماني صرح بأن العراق تابع لهم وأنهم يديرونه، ولسوء الحظ لم يلق امتعاضا من السلطة الحالية ولم تستنكر مثل هذا التصريح، ولم يخرج ممثل الحكومة العراقية ليستنكر ذلك، مع أنهم كانوا يستنكرون على كل شيء وتحت لا ذريعة. بالمجمل الوضع العراقي الأمني وضع متردٍّ، وهذا سؤال يوجه للذين يمسكون بالسلطة اليوم لماذا فشلوا بإدارة هذا الملف، عندما يكون الملف الأمني مهترئ ستشرع الأبواب لكل من يريد أن يمارس نفوذا ليدخل، ليس بالضرورة دول مجاورة حتى دول بعيدة تبحث عن مصلحتها.  هل ستؤدي سياسات المالكي إلى تفكيك العراق وتقسيمه؟ - هل العراق موحد حاليا حتى يقسم؟ هذا دستور مريض ومليء بالثغرات التي لا تعني أن البلد يدار على أنه بلد واحد، كتبه رجل لا يمت للعراق بصلة، سقط بالاستفتاء، ولكنه نجح بالقوة، أمام الذي يحكم العراق تحدٍّ كبير، أولا أن يثبت مواطنته أولا كعراقي، هو لم يقل أنه عراقي أولا، لأن هذا العراق عراق الكل، ولم يحكم العراق من قال أنا العراق، لم يقل شخص أنا العراق، العراق عراق الجميع من أصغر مكون إلى أكبر مكون، العراق للجميع، الذي يحكم ينبغي أن يتصف بصفة المواطنة أولا، ولأن هذا البلد هو بلد عربي أولا وينتمي إلى محيطه العربي تاريخيا، وليس أي محيط آخر، ففلسفة نظام الحكم في العراق ينبغي أن تقوم على هذين المرتكزين والمرتكز الثالث هو الديمقراطية وتداولية السلطة، عندما ينجح الشخص الذي يمسك بالسلطة في العراق في أن يتصف بهذه الصفات الثلاث، عراقي يحكم بلدا عربيا ينتمي إلى محيطه العربي ويؤمن بتداولية السلطة، عند ذاك يمكن أن نرى في العراق خيرا.  هل تعتقد أن الولايات المتحدة قد انسحبت فعلا من العراق؟ - انسحبت نظريا، ما زالت هناك قوات موجودة من بينها قوات جوية.