

انطلقت أمس، أعمال النسخة الثالثة والعشرين من منتدى الدوحة، تحت الرعاية الكريمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، وذلك بحضور دولي رفيع المستوى ودعوات بارزة للانتقال من الوعود والتصريحات إلى طرح حلول عملية واتخاذ إجراءات ملموسة لإنفاذ العدالة ومواجهة الأزمات الدولية المتفاقمة في العديد من مناطق العالم. ويستقطب المنتدى هذا العام أكثر من 6000 مشارك من 150 دولة، بمن فيهم مجموعة من أبرز قادة الدول وصناع السياسات والدبلوماسيين والخبراء الدوليين.
وينعقد منتدى الدوحة هذا العام تحت شعار «ترسيخ العدالة: من الوعود إلى الواقع الملموس»، فيما تتمحور النقاشات حول أبرز التحديات الجيوسياسية وقضايا السلام والأمن والمرونة الاقتصادية والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الناشئة والصحة العالمية ونزاهة الإعلام. ويشارك في أعمال المنتدى رؤساء دول ووزراء وصانعو سياسات وباحثون وقادة فكر من أجل صياغة حلول ملموسة للأزمات العالمية الراهنة.
وأكدت نقاشات اليوم الأول من المنتدى على الحاجة الملحة لإعادة بناء الثقة في النظام العالمي وتعزيز جهود الوساطة وتحقيق العدالة من خلال العمل الدولي المشترك وترسيخ مبدأ المساءلة.
و ناقش المشاركون في جلسة «الفصل القادم للإنسانية: الابتكار والتأثير من الجنوب العالمي»،، كيف يُعيد الإبداع والتكنولوجيا والعمل الخيري تشكيل مسارات التنمية في المناطق الناشئة.
وقالت سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، رئيس مجلس أمناء متاحف قطر: «قطر جزء من الجنوب العالمي، لذا من البديهي أن نركز على الجنوب ونُمكّن المواهب والإبداعات في منطقتنا. العديد من مشاريعنا المستقبلية تُحتضن هناك، ونشرك أفراد المجتمع، من فنانين وعلماء نفس ومعالجين نفسيين، في تصميم مشاريعنا المستقبلية، ما يجعل تمكين المبدعين أدوات فعّالة للغاية».
وقال بيل غيتس، رئيس مؤسسة غيتس ومؤسس مايكروسوفت: «هدف مؤسسة غيتس، التي أُنشئت عام 2000، هو مساعدة الأطفال على تحقيق إمكاناتهم. تُركز مؤسستنا على مساعدة الدول التي تعاني من الفقر، وذلك من خلال تحسين الصحة والتعليم، ثم يحدث أمرٌ عظيم، وهو أن تصبح هذه الدول مكتفية ذاتيًا».
ومع اختتام اليوم الأول، شدّد المشاركون على الحاجة إلى العمل الجماعي، والقيادة القائمة على المبادئ، والتعاون العالمي الشامل لمواجهة التحديات المترابطة التي يمر بها العالم اليوم. وسيواصل اليوم الثاني هذه النقاشات مع تركيز على التنمية الاقتصادية والتجارة، ووساطة النزاعات وبناء السلام، والحوكمة العالمية، وحوكمة التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، ونزاهة الإعلام، والاستجابة الإنسانية، والتحوّل العالمي في قطاع الطاقة.
الشرع: كل مكونات المجتمع السوري كانت جزءًا من الثورة
قال فخامة السيد أحمد الشرع، رئيس الجمهورية العربية السورية، في حديثه مع كريستيان أمانبور، المذيعة بشبكة سي إن إن الإخبارية: «انتقلنا من كوننا دولة تصدّر الأزمات إلى دولة لدينا فيها أمل حقيقي في تحقيق الاستقرار. بدأ العالم يتعامل مع سوريا فورًا للاستفادة من مكانتها وتأثيرها الجاد على استقرار المنطقة». وتحدث الرئيس عن إجراء انتخابات ديمقراطية خلال خمس سنوات، مؤكداً التزامه بتشكيل حكومة شاملة، قائلاً: «اليوم لا يمكن أن نقول إن الثورة في سوريا كانت ثورة لفئة واحدة. فكل مكونات المجتمع السوري كانت جزءًا من الثورة». وجمعت جلسات ونقاشات اليوم الأول قادة وممثلين من الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا وآسيا والأمريكتين، حيث تخللتها مجموعة من الرؤى الإقليمية التي تعكس طابعًا عالميًا فريدًا.

متانة العلاقات الخليجية الأوروبية
سلط متحدثون بجلسة «العلاقات الخليجية الأوروبية في عصر العزلة الإستراتيجية» الضوء على الفرص المتاحة لتعزيز التعاون في مجالات الأمن والعلاقات الاقتصادية والحوار الإقليمي بين بلدان مجلس التعاون الخليجي والقارة الأوروبية.
وأكد الدكتور ماجد بن محمد الأنصاري مستشار رئيس مجلس الوزراء المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية، على متانة العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وأوروبا، قائلاً: «يُعدّ الخليج شريكًا مستقرًا لأوروبا في الأمن والطاقة، والعكس صحيح فيما يتعلق بالاستثمار والتعاون في قضايا المنطقة. لأن قضايا منطقتنا هي في نهاية المطاف قضايا أوروبا، سواءً ارتبطت بأنماط الهجرة، أو النزاعات، أو التعرض للإرهاب، أو التحالف ضد الإرهاب».
شراكة مع مؤسسة بيل غيتس
ألقى رجل الأعمال الأمريكي، والرائد في العمل الخيري، بيل غيتس كلمة رئيسية قال خلالها: «اليوم، تعلن مؤسستنا عن شراكة جديدة مع صندوق قطر للتنمية، وسنعمل معاً على دعم التمكين الاقتصادي وتوسيع فرص الوصول إلى خدمات الصحة والتعليم في أفريقيا وآسيا».
وأضاف غيتس: «لقد أثبتت قطر أن التعاون هو محرّك أساسي لتحقيق تقدّم ملموس؛ بدءًا من التزاماتها تجاه الشراكات العالمية مثل التحالف العالمي للقاحات والتحصين (Gavi) والصندوق العالمي، وصولًا إلى دورها الريادي في المبادرات الإقليمية مثل صندوق العيش والمعيشة، وجهودها في مكافحة شلل الأطفال في أفغانستان. وقد برهنتم أن الاستثمار المبكر والالتزام المستمر يصنعان فارقًا حقيقيًا عند التعامل مع القضايا المعقدة. وهذا بالضبط ما يحتاجه العالم اليوم».
اليمن عند مفترق طرق
في جلسة «اليمن عند مفترق الطرق»، تناول المتحدثون الآفاق الممكنة لإحياء عملية سياسية قابلة للصمود في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة. وأكد سعادة الدكتور شايع محسن محمد الزنداني - وزير الخارجية والمغتربين في الجمهورية اليمنية، أن «المشكلة في اليمن تكمن في كوننا نتعامل مع العواقب وليس المسببات. إن أسباب المشكلة في اليمن متجذرة. وجميع الأزمات التي يمر بها اليمن هي دورات صراع تتجدد باستمرار. وكل حل يُطرح يحمل في داخله بذور صراع قادم».
وعلّق سعادته على الصعوبات التي تكتنف المضي قدمًا في المفاوضات، قائلاً: «هناك فريق من الحكومة اليمنية مستعد للتفاوض، ولكن مع مَن ينبغي التفاوض؟».
وعلَّق سعادة السيد هانز جروندبرج - المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، قائلاً: «لقد تحول صراع مثل الصراع في اليمن من قضية وطنية إلى قضية إقليمية، وأصبح له الآن عواقب عالمية. وفي ظل بقاء الصراع دون حل، يزداد عدد الأطراف المنخرطة».
الطريق إلى وقف إطلاق النار: سلام دائم في أوكرانيا
استعرض الساسة والخبراء خلال جلسة بعنوان «الطريق إلى وقف إطلاق النار: سلام دائم في أوكرانيا»، السبل الكفيلة بخفض وتيرة التصعيد وإقرار الترتيبات الأمنية المستقبلية والهياكل الدبلوماسية التي يمكن من خلالها التوصل إلى حل مستدام للحرب المستعرة في أوكرانيا.
ودعا السيد دميترو لوبينيتس، المفوض البرلماني الأوكراني لحقوق الإنسان، العالم إلى «الاستيقاظ وإدراك أنه من خلال توحيد الجهود المشتركة فقط، سوف يكون بإمكاننا وقف هذه الحرب، وإنشاء آليات حقيقية وفعالة للرد».
وناشد سعادة السيد فويتشخ زايا تشايكوفسكي وكيل وزارة الخارجية في جمهورية بولندا، المجتمع الدولي قائلاً: «من فضلكم، لا تكتفوا بالنقاشات حول الوضع في أوكرانيا. من فضلكم قدموا لنا بعض المقترحات الملموسة والخطوات العملية، حتى لو كانت خطوات صغيرة، من أجل تحقيق سلام حقيقي وعادل ونهائي في أوكرانيا».
إدارة المخاطر والفرص في ظل نظام عالمي متغيّر
ناقش خبراء خلال جلسة بعنوان «العلاقات الأمريكية الصينية: إدارة المخاطر والفرص في نظام عالمي متغيّر»، كيف تعيد التحولات في موازين القوى تشكيل التجارة والدبلوماسية والأمن العالمي. وصرّح سعادة الدكتور سعيد خطيب زاده، نائب وزير الخارجية الإيراني ورئيس معهد الدراسات السياسية والدولية في إيران، قائلاً: «إن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ستظل عاملاً حاسمًا في السياسة الدولية، كما أن التوازن بين هاتين القوتين سيحدد أيضًا العديد من العوامل الأخرى في النظام السياسي العالمي».
وأشار محمد بحرون، مدير عام مركز بحوث للسياسات في دبي، إلى أنه «منذ جائحة كوفيد– 19، بدأنا ندرك أن مفهوم الأمن يتجاوز بكثير الأمن التقليدي، ليشمل الأمن الصحي وأمن الطاقة والأمن البيئي. وأصبحت الصين عنصرًا مهمًا لجميع دول المنطقة، وأصبحت أهميتها اليوم تفوق أهمية القوة العسكرية».
إعادة تقييم المسؤوليات العالمية ومسارات السلام
في جلسة بعنوان «تداعيات غزة: إعادة تقييم المسؤوليات العالمية ومسارات السلام»، تناول المتحدثون الجوانب السياسية والإنسانية والدبلوماسية التي يمكن أن تشكل مدخلاً لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل في القطاع الذي عانى ويلات الحرب خلال العامين الماضيين.
وعلَّق سعادة السيد خوسيه مانويل ألباريس، وزير الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون في مملكة إسبانيا، قائلاً: «من غير المقبول أن يُنتهك وقف إطلاق النار بشكل دائم»، مضيفًا: «لا يمكننا التفكير في مستقبل الشرق الأوسط دون التفكير في مستقبل غزة».
ودعا سعادة الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري، إلى نشر قوة دولية في غزة في أسرع وقت ممكن، قائلاً: «علينا إعطاء الأولوية لحفظ السلام، لا لفرضه».