خبراء اقتصاديون: الشراكة القطرية البولندية نموذج للتعاون الإستراتيجي

alarab
محليات 05 يوليو 2024 , 01:05ص
الدوحة- قنا

تشكل الشراكة بين دولة قطر وجمهورية بولندا نموذجا بارزا للتعاون الاستراتيجي في مجالات الطاقة والتنمية المستدامة، ويلعب قطاع الطاقة دورا محوريا في تعزيز الروابط بين البلدين، بفضل التعاون المثمر، الذي يشكل ركيزة أساسية لتبادل المنافع الاقتصادية والاستراتيجية، مما يسهم في تعزيز الأمن الطاقي لبولندا من جهة، ويدعم مكانة قطر كأحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم من جهة أخرى، مما يفتح آفاقا جديدة للشراكة المستدامة والتنمية المتبادلة.
وفي هذا السياق، تأتي زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى إلى هذه الجمهورية النابضة بالنمو، والواقعة في قلب أوروبا الوسطى، حيث تكتسب هذه الزيارة رفيعة المستوى، زخما كبيرا نظرا لعمق العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين ومتانتها، ولما تشكله الدوحة ووارسو من مثال ناجح في التحالفات التجارية.
ومن المنتظر أن يسهم التعاون الطاقي بين قطر وبولندا في تعزيز قاعدة المصالح المشتركة، وفتح آفاق جديدة للتعاون والتنسيق، حيث تشكل الدوحة اليوم مصدرا مهما للطاقة، مما يجعلها شريكا استراتيجيا مهما لبولندا في سعيها نحو تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية، سيما أن دولة قطر تزود بولندا بحوالي 30 بالمائة من وارداتها من الغاز، وهي مساهمة كبيرة تعزز مكانة قطر كشريك مهم لبولندا، التي تطمح لتصبح مركزا للطاقة في أوروبا الشرقية.
وشكل عام 2009 نقطة تحول في التعاون الطاقي بين قطر وبولندا، حيث شهد توقيع اتفاق طويل الأمد تستورد بموجبه وارسو نحو مليار و300 مليون متر مكعب من الغاز المسال القطري سنويا، وتم تسليم هذه الإمدادات في محطة الاستقبال البولندية الجديدة للغاز الطبيعي المسال، التي بدأ تشغيلها عام 2014، خصيصا لهذه الغاية.
وتطور التعاون بين قطر وبولندا إلى ما هو أبعد من مجرد استيراد الغاز، حيث شكل عام 2016 علامة فارقة في العلاقات التجارية بين البلدين، كما شهد ذلك العام التدفق الكبير لشحنات الغاز القطري إلى بولندا، والبدء في تسليمها في محطة شينويشجا بعد افتتاحها في ميناء سوينوجيسي على بحر البلطيق، وقد استقبلت هذه المحطة ما يقارب 126 شحنة غاز مسال، مما يعكس النمو المستمر في التعاون الطاقي بين البلدين.
ولم يقف التعاون في مجال الطاقة عند هذا الحد، بل تجاوزه، بعدما أعلنت شركة قطر غاز، في 2017، عن اتفاقها على زيادة حجم إمداداتها من الغاز المسال إلى شركة النفط والغاز البولندية، لتصل إلى مليوني طن سنويا، وقد دخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ بداية 2018، بحسب ما أعلنته الشركة آنذاك، ويستمر حتى يونيو 2034.
ويجسد مشروع قطر غاز 3، ثمرة هذا التعاون، وهو مشروع مشترك بين قطر للبترول، وكونوكو فيليبس، وميتسوي آند كو، ويوفر إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى بولندا، التي تستورد اليوم ثلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال من قطر.
ويستمر التعاون الطاقي بين قطر وبولندا في النمو والتطور، حيث يسعى البلدان إلى تعزيز شراكتهما بما يحقق الفائدة المتبادلة، ويسهم في استقرار أسواق الطاقة العالمية، وتعكس هذه الشراكة رؤية استراتيجية مشتركة، تهدف إلى تحقيق الأمن الطاقي والتنمية المستدامة، ما يجعلها نموذجا يحتذى به في التعاون الدولي في مجال الطاقة.

شراكة موسعة
ويؤكد السيد فواز الهاجري الخبير الاقتصادي، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية «قنا»، عمق العلاقات القطرية - البولندية، تجاريا واستثماريا، وسياسيا.. مشيرا إلى أن زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى إلى وارسو ستسهم في تعزيز هذه العلاقات التاريخية بين البلدين الصديقين، وهي امتداد لسنوات طويلة من الشراكة الاقتصادية المميزة، وفرصة لبحث التعاون الاقتصادي والاستثماري والسياحي، ودفعها إلى آفاق أرحب.
وأوضح الهاجري «أن جمهورية بولندا ترتبط بشراكة اقتصادية واسعة ومميزة مع دولة قطر، تمتد لمجالات الطاقة، والسياحة، والتعليم، والصحة، وتكنولوجيا المعلومات، والفندقة، وتوليد الكهرباء، والبناء، والزراعة، والطاقة الشمسية، وغيرها من المجالات المختلفة»، مؤكدا على أن بولندا تعتبر من الأسواق المهمة للغاز القطري، حيث تستورد ثلث احتياجاتها من قطر، خاصة بعد الاتفاقية التي تم توقيعها في العام 2017، والتي نصت على استقبال الغاز الطبيعي المسال القطري في محطة سوينوجيسي البولندية.
ونوه بدور الشركات والاستثمارات البولندية العاملة بالسوق القطرية، في مجالات عديدة ومختلفة، مشيرا إلى أن حجم التبادل التجاري القطري البولندي وصل في 2019 نحو 852 مليونا و400 ألف دولار، حيث بلغت الصادرات القطرية إلى بولندا 750 مليونا و100 ألف دولار، وتتكون في الأساس من الغاز الطبيعي المسال، في حين بلغت الصادرات البولندية إلى قطر 102 مليون و300 ألف دولار، وتضمنت أجهزة ميكانيكية وكهربائية، ومنتجات زراعية، وصحية.

محطة مهمة للغاز القطري
من جهته، أكد الدكتور عبدالله الخاطر الخبير والمحلل الاقتصادي، في تصريح مماثل لوكالة الأنباء القطرية «قنا»، على تعاظم الدور القطري في الاقتصاد العالمي، وأهمية قطر في تأمين وسلامة مصادر الطاقة للعالم عامة، ولأوروبا خاصة، كما أشار إلى الدور البارز الذي تلعبه قطر في تعزيز الأمن والسلم الدوليين.
ولفت إلى أهمية الشراكة الأوروبية مع قطر في موضوع الطاقة والطاقة النظيفة، والاستثمارات الاستراتيجية، والتي ترقى إلى الدور الدبلوماسي والسياسي، وكذلك أهميتها بالنسبة للاقتصاد القطري، الساعي إلى تنويع صادراته، والمناطق الجغرافية.
وأضاف الدكتور الخاطر أن بولندا تعد محطة مهمة للغاز القطري وللشراكات والاستثمارات القطرية.

نمو اقتصادي
عن أهمية الشراكة القطرية البولندية، قال الدكتور عمر غرايبة الخبير والمحلل المالي والاقتصادي، نائب عميد كلية الأعمال للشؤون الأكاديمية والجودة في جامعة آل البيت الأردنية في تصريح لوكالة الأنباء القطرية «قنا»: «ساهمت واردات الغاز القطرية إلى بولندا في تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، حيث تحقق توازنا استراتيجيا واستقرارا في إمدادات الطاقة، وتوفر فرصا للنمو الاقتصادي بين البلدين، وتساعد في تنويع مصادر الطاقة لبولندا.
وأضاف أن العلاقات الاقتصادية القوية بين البلدين تلعب دورا مهما في تعزيز العلاقات السياسية والدبلوماسية، خاصة أن 30 بالمائة من واردات بولندا من الغاز الطبيعي المسال من دولة قطر، وهي مساهمة كبيرة ولها دلالات كثيرة على الصعيدين الاقتصادي والجيوسياسي، فحصول بولندا على إمدادات مستقرة تساهم في تعزيز أمن الطاقة، وتخدم تنويع مصادر الطاقة في بولندا، كما تساهم في تقوية العلاقات الثنائية بين البلدين، لتمتد مجالات التعاون إلى الاستثمار والتجارة والتعاون التكنولوجي.
ولفت إلى أن دولة قطر واحدة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، وبولندا واحدة من أكبر الاقتصادات في أوروبا الشرقية، ولديها طموح متنام لتصبح مركزا للطاقة وتنوع مصادرها من الغاز، وبالتالي هناك فرصة لزيادة صادرات قطر من الغاز الطبيعي إلى بولندا، لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة النظيفة لعقود جديدة طويلة الأجل، وتفتح أمامها المجال إلى تطوير مشاريع الطاقة المتجددة كالشمسية والرياح، لتساعدها على تنويع مصادرها من الطاقة وتحقيق أهداف الاستدامة.
وبين أن هذه الشراكة تفتح آفاق التعاون وتبادل الخبرات في مجالات مختلفة في قطاع الطاقة، وقطاعات أخرى كقطاع التعليم، من خلال التعاون الأكاديمي والبحثي وتبادل الطلاب والباحثين والخبرات والتكنولوجيا، وتنظيم المؤتمرات والورش المشتركة من أجل إيجاد حلول مبتكرة لتحسين كفاءة الطاقة وتقليل انبعاثات الكربون، وكذلك توسيع الشراكات المحلية والاستثمارات المشتركة، من خلال إنشاء مصانع جديدة في قطاع الطاقة، أو تحديث البنية التحتية المرتبطة بتقنيات التخزين والنقل، أو الاستثمار في مشاريع خارجية.