

تنظم شبكة الجزيرة منتداها السنوي يومي 15 و16 فبراير الجاري في فندق روتانا سيتي سنتر، بالدوحة، ويبحث المنتدى، التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، انطلاقًا من تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، مرورًا بإعادة تشكل المشهد السياسي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. كما يتناول تداعيات هذه التطورات على موازين القوى الإقليمية وانعكاساتها على الوضع العربي وعلى التحالفات الإقليمية والدولية في المنطقة.
ومن الجلسات المتوقع إجراؤها في اليوم الأول من المنتدى، جلسة بشأن الوضع في غزة، وتحديات ما بعد الحرب، وجلسة لمناقشة تغيير النظام في سوريا، وآثاره في الداخل وأبعاده الإقليمية، بالإضافة إلى جلسة بعنوان: «حرب الإستراتيجيات: إيران وإسرائيل وتركيا والغياب العربي» وجلسة «ما بعد الحرب: أي ترتيبات للقضية الفلسطينية وللمنطقة عمومًا؟»
أما في اليوم الثاني فمن المقرر مناقشة العدالة الانتقالية في دول ما بعد النزاعات، من منطلق الفرص والتحديات، ومناقشة الوضع الدولي بشأن الحرب في أوكرانيا، وتداعيات عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، على العلاقات مع أوروبا وروسيا.
كما يتناول المنتدى بالعرض والنقاش فيلم “عيون غزة” (الجزيرة 360) وتناقش إحدى جلسات اليوم الثاني الحركة الاحتجاجية والتضامنية العالمية مع القضية الفلسطينية. وتنطلق مناقشات ومباحثات المنتدى، على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة وتداعياتها الإقليمية، والدولية، فمنذ اندلاع هذه الحرب، شهدت منطقة الشرق الأوسط تغييرات إستراتيجية عميقة ومتسارعة. في سياق هذه التغييرات، تستمر المعاناة الإنسانية لسكان القطاع بسبب حرب التطهير والإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل رغم غياب أهداف عسكرية واضحة.
وخلال هذه الحرب، أمعنت قوات الاحتلال في تدمير البنية التحتية لغزة بهدف تهجير سكانها وتحويلها إلى بيئة غير قابلة للحياة، في ظل مخططات لتقسيمها وإعادة احتلال بعض محاورها.
كما شهدت الحرب، مع نهاية عامها الأول، تحولًا نوعيًّا باتساع رقعتها لتشمل الساحة اللبنانية، وتدخّل إيران على خط المواجهة بهجوم واسع وغير مسبوق في عمق الكيان الإسرائيلي. وبذلك، لم تعد الحرب شأنًا فلسطينيًّا-إسرائيليًّا، فقد اتخذ الصراع بُعدًا إقليميًّا واضحًا، وانتقلت معه المواجهة مع حزب الله من جبهة إسناد لغزة، إلى ساحة حرب قائمة بذاتها، لها دينامياتها الميدانية والسياسية والتفاوضية الخاصة، قبل أن تتوقف على وقع تزايد الخسائر في الجانبين.
في ذات السياق، انفتحت جبهة اليمن واشتبكت مع الاحتلال لعدة أشهر، فألحقت بحركة الملاحة في البحر الأحمر أضرارا كبيرة وتسببت في مخاطر إستراتيجية لم تفلح عملية “حارس الازدهار” المشتركة بقيادة أمريكية في مواجهتها.
وضمن هذه الأوضاع الميدانية المعقدة، وهذه المعادلة الإقليمية المتدحرجة، تتنافس مجموعة من الإستراتيجيات الإقليمية والدولية. أبرز تلك الإستراتيجيات، الإستراتيجية الإسرائيلية المدعومة غربيًّا، التي حاولت فصل الجبهات عن بعضها البعض وعزل غزة عن أي سند خارجي، وفرض تسويات إقليمية تعكس تفوق إسرائيل وهيمنتها على المنطقة، رغم خسائرها المتراكمة على كل الأصعدة.
في المقابل، سعت إيران لتثبيت نفوذها الإقليمي وتعزيز قوتها الردعية وتأكيد قيادتها لـ”محور المقاومة” بما يملكه من تسليح نوعي وقدرات على خوض حروب غير تقليدية، قبل أن تُمنى بخسارة كبيرة بسقوط نظام بشار الأسد. أما تركيا، التي تعرضت لانتقادات على دورها الباهت في الحرب على غزة، فقد ظلت تعمل مع المعارضة السورية على أكثر من صعيد حتى إسقاط النظام السوري بعد أيام قليلة من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله. ويأتي تغيير النظام في سوريا ليشكل امتدادًا لحركة الربيع العربي من ناحية، ولتداعيات طوفان الأقصى من ناحية أخرى، وتزداد أهميته بالنظر إلى طبيعة الساحة السورية التي يتقاطع فيها عدد من الإستراتيجيات الإقليمية والدولية.
وفي خضم هذا التنافس بين الإستراتيجيات وما تستند إليه من سرديات، يستمر تراجع الدور العربي الرسمي، سواء في توجيه سير الأحداث الجارية أو في طرح ترتيبات مستقبلية تخدم القضية الفلسطينية. ولم تستطع بعض الأدوار المنفردة، رغم أهميتها وما أحرزته من نجاحات جزئية، إحداث تغييرات ملموسة في جوهر المعادلة القائمة.
ولم تهدأ حركة شعوب أخرى في مناطق كثيرة من العالم، وخاصة من الأجيال الصاعدة، التي تحررت من قيود الرواية الصهيونية لتاريخ الصراع.
ويُتوقع أن تلعب هذه الأجيال، لا سيما في الغرب الأوروبي والأمريكي، دورًا أكثر أهمية في المستقبل، ينقل حركتها الاحتجاجية التحررية من الشارع إلى مؤسسات تشكيل الرأي وصناعة القرار.