عبد العزيز بن حمد العقيل أمين عام (جويك) لـ«لوسيل»:

الانخفاضات في أسعار النفط فرصة لإعادة هيكلة الاقتصادات الخليجية على المدى الطويل

لوسيل

حوار - حسن أبو عرفات

  • قطر إحدى الوجهات الجاذبة للاستثمار الأجنبي في الشرق الأوسط
  • 17 % نموا بالاستثمار الأجنبي في قطر خلال 10 سنوات
  • نمو تصاعدي للقطاعات غير النفطية خلال 5 سنوات بنسبة 15% سنوياً
  • دول التعاون تحتاج لحلول إصلاحية جذرية طويلة الأمد للخروج من أزماتها والصناعات القائمة على المعرفة
  • جويك طرحت رؤية توجه السياسات الاستثمارية لاستقطاب الشراكات الإستراتيجية
  • قطر تملك إستراتيجية واضحة للبحث العلمي يجب أن يحتذى بها
  • ضرورة استغلال مصادر الطاقة المتجددة الشمسية وطاقة الرياح لتوافر المساحات الجغرافية
  • إعادة تصنيع المشتقات النفطية مطلب يستحق المراجعة والتنفيذ

توقع عبد العزيز بن حمد العقيل، الأمين العام لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية جويك ، أن تركز خطط التنويع الصناعي الخليجية في المرحلة القادمة على مجالات رئيسية تشمل صناعة السكك الحديدية والصناعات اللوجستية، والتي تعتبر من الصناعات الواعدة في دول التعاون، وصناعة إعادة التدوير وإدارة النفايات.
وقال في حوار لـ لوسيل : إن الانخفاضات المتوالية في أسعار النفط تعتبر فرصة سانحة أمام دول التعاون لإعادة هيكلة اقتصاداتها على المدى الطويل، بحيث يتوقف الهدر في الاستخدام المفرط لمصادر الطاقة واستمرارية الاعتماد على موارد النفط لتغطية النفقات الاستهلاكية، دون التركيز على الاستثمار وتطوير القطاعات الإنتاجية، مشددا على أن دول التعاون تحتاج لحلول إصلاحية جذرية وطويلة الأمد، في إطار رؤية كلية مستقبلية للخروج من الأزمة، وطالب بضرورة بذل المزيد من الجهد والتحفيز لدعم الشراكات الخليجية للمصنِّعين الخليجيين والتوسع في منح الأراضي الخاصة بالمصانع، إضافة إلى تسهيل إنشاء الشركات الصناعية الخليجية المشتركة المساهمة، لزيادة مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في الناتج المحلي البالغ حاليا 10% في السنوات العشر الماضية، وهي نسبة ضعيفة.. فيما يلي نص الحوار:

- كيف تقيّمون واقع الصناعة في دول التعاون؟
إن الصناعات التحويلية تعتبر بمثابة أساس تسعى دول المجلس من خلاله لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتنويع اقتصاداتها الوطنية، نظراً لما لها من خصائص فاعلة في مجالي النمو والتكامل.
وقد أكدت الإحصاءات الرسمية أن القطاع الصناعي الخليجي قد حقق خلال الخمس سنوات الماضية (2010 -2014) معدلات نمو سنوية مرتفعة، بلغت بالمتوسط حوالي 9.5% سنوياً.
ومن المؤشرات الرئيسية التي تدل على ديناميكية حركة التصنيع، واتساع نطاقها في دول مجلس التعاون، ازدياد عدد المصانع العاملة من حوالي 13 ألف مصنع عام 2010 إلى نحو 16.9 ألف مصنع عام 2015، أي أنه تم إنشاء نحو 3855 مصنعاً جديداً خلال هذه الفترة الوجيزة.
كما ازدادت الأموال التراكمية المستثمرة في هذه المصانع خلال الفترة الزمنية نفسها من حوالي 222.1 مليار دولار إلى قرابة 394 مليار دولار، أي أنه تم ضخ استثمارات صناعية جديدة خلال هذه الفترة القليلة، بلغت قيمتها نحو 171.5 مليار دولار.
كما شهدت القوى العاملة في الصناعة التحويلية نمواً كبيراً، حيث ازداد عدد العاملين فيها خلال الفترة السابقة نفسها من حوالي 1.1 مليون عامل إلى ما يزيد على 1.6 مليون عامل، أي أنه تم توظيف نحو نصف مليون عامل جديد بمختلف التخصصات والمهارات.
وتعمل تلك المصانع في مختلف الأنشطة الصناعية، خاصة صناعة منتجات مواد البناء (المعادن اللافلزية)، والآلات والأجهزة الكهربائية، والصناعات التعدينية غير المعدنية، والصناعات البتروكيماوية، والصناعات الغذائية.
كما أن أغلب الصناعات القائمة في دول المجلس كانت صناعات إحلالية في الأصل، قامت لتحل محل السلع المستوردة من السوق الخارجية، وهذه السياسة كانت متبعة في كثير من الدول النامية.
وإذا استثنينا الصناعات البتروكيماوية، فإن الصناعات التحويلية الأخرى لم تشهد تطوراً نوعياً كبيراً، بل توسعت أفقياً لتلبي حاجة بلدان المنظومة من السلع الضرورية للإنشاء والتعمير وإقامة البنى التحتية.
والتوسع الرأسي أو التنمية النوعية لم يشمل كثيراً من الصناعات التحويلية في دول المجلس، لأن ذلك يتطلب نشاطات ومجالات إضافية يجب توفيرها، مثل: التعليم التقني، وإيجاد عمالة فنية ماهرة ومدربة، وتعزيز مراكز البحث العلمي والتطوير والابتكار، وتوفير رأس المال الأجنبي النوعي أيضاً.
وبلغ متوسط مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في دول مجلس التعاون الخليجي في الناتج المحلي الإجمالي حوالي 10% في السنوات العشر الماضية.
وتعتبر هذه النسبة ضعيفة، وتعتمد على الدعم والطلب المحلي، وعلى التكنولوجيا الأجنبية والعمالة الوافدة، ولكي ترتفع هذه النسبة يجب بذل المزيد من الجهد والتحفيز في دعم الشراكات الخليجية بين مختلف الصُّناع في دول مجلس التعاون الخليجي، مثال ذلك التوسع في منح الأراضي الخاصة بالمصانع، إضافة إلى تسهيل إنشاء الشركات الصناعية الخليجية المشتركة المساهمة.

- وما هي الصناعات الغائبة التي تحتاج إلى مزيد من الاستثمار من رؤوس الأموال الخليجية والأجنبية؟
كما هو معلوم لدينا جميعاً أن دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز الطبيعي، وأن أسواق هذه السلع تتعرض لهزات وتذبذبات متأثرة بالعديد من المتغيرات الاقتصادية والسياسية وغيرها.
ومنذ سنوات مضت استشعرت هذه الدول ضرورة تنويع مصادر دخلها لتحقيق استقرار نسبي في دخولها يدعم خططها التنموية، ووضعت لذلك الإستراتيجيات والخطط المستقبلية.
وفي ظل التغيرات الاقتصادية والبيئية والسياسية والتطورات التكنولوجية المتلاحقة في جميع المجالات - خاصة مجال الطاقة - خلال السنوات العشر الأخيرة وإسقاطاتها المستقبلية، يتبين جلياً أنه من الأهمية بمكان التوجه نحو الصناعات الغائبة المشتقة من النفط والغاز، وذلك نظراً لأهمية تلك المنتجات، إما كمدخلات أساسية لكثير من الصناعات أو كمنتجات نهائية متعددة ومتنامية الأسواق، مع الأخذ في الاعتبار التقدم التكنولوجي المتواصل، وتشمل الصناعات الغائبة في مجال البتروكيماويات في أغلب دول المجلس الصناعات النهائية للميثانول، والبوليمرات الهندسية، والمطاط الصناعي.
وهذه الصناعات تأتي نتيجة التكامل الصناعي بين مصافي البترول والمنشآت البتروكيماوية، ولذلك لابد من ضخ مزيد من الاستثمارات في هذا الجانب، لزيادة القيمة المضافة للنفط، وإنتاج منتجات نهائية ينتج عنها تقليل الآثار السالبة لتقلبات الأسعار العالمية.
هذا ومن المتوقع أن تركز خطط التنويع الصناعية الخليجية الحالية والقادمة على المجالات الرئيسية، مثل صناعة السكك الحديدية والصناعات اللوجستية، والتي تعتبر من الصناعات الواعدة في دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك صناعة إعادة التدوير وإدارة النفايات، وإن كانت لا تزال في نطاق محدود، فتعتبر صناعة واعدة من شأنها تحسين الهدر الحالي في الموارد، وزيادة كفاءة قطاع الصناعات التحويلية.
حيث تشجع حكومات دول مجلس التعاون المشاريع المشتركة في هذا المجال مع القطاع الخاص، كما ستركز أيضاً على خطط التنويع في مجال البتروكيماويات، ومكونات السيارات، والقطاع الطبي ومواد البناء والسياحة والطاقة المتجددة، وتعزيز المجمعات الصناعية، والصناعات القائمة على المعرفة، مما يتطلب ذلك ضخ المزيد من الاستثمارات في تلك القطاعات.
والصناعات الغائبة، هي من الصناعات التي يجب التركيز عليها، لإحداث إضافة نوعية في التصنيع في دول المجلس.
إلا أن تلك الصناعات تحتاج إلى تهيئة ظروف واستثمارات معينة وسياسات صناعية صارمة لتنفيذها، ويمكن أن توجه للتصدير إلى أسواق جديدة في دول شمال إفريقيا والدول العربية، مما يتيح الفرصة لخلق أوعية وروافد مادية قد تساعد في الحفاظ على معدلات التنمية الاقتصادية التي تحققت عبر الحقب الماضية.
ومن الصناعات الغائبة الأخرى التي يمكن التركيز عليها: السيارات السياحية، وسيارات النقل والشاحنات الصغيرة، وسيارات الصهاريج الجاهزة وأجزائها، وأجهزة هاتف للشبكات الخلوية وغيرها من الشبكات، والأدوية والعقاقير والمحاليل بأنواعها، والأسلاك وشرائح النحاس، والأرصفة المسطحة العائمة أو الغاطسة للحفر والإنتاج، وأجهزة لوحات تحويل ومقاسم (سنترال)، وصفائح الألومنيوم المسحوبة على البارد، والتي تستخدم في صناعة علب الألومنيوم، والحنفيات والصنابير والصمامات، والمواسير والأنابيب من الحديد أو الصلب، والمنشآت وأجزاؤها المنوعة من الحديد أو الصلب، وخطوط السكك الحديدية، والمواد المحفزة، وكيماويات الألومنيوم وكيماويات معالجة المياه، وصناعة إنتاج وحفظ لحوم الدواجن والأسماك.

- تشهد أسعار النفط تراجعاً كبيراً.. فما تأثيرات ذلك على النشاط الصناعي الخليجي خاصة على تكاليف المشاريع ودورة الإنتاج وأسعارها؟
يصعب حالياً تحديد تأثير تراجع أسعار النفط على النشاط الصناعي الخليجي بشكل دقيق، نظراً لطبيعة أسعار النفط المتقلبة، التي يصعب التنبؤ باتجاهاتها، ووجود الفاصل الزمني بين وقت حدوث تراجع الأسعار والنتائج المترتبة على ذلك الهبوط.
إلا أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط ووصوله إلى (28 - 30 دولارا للبرميل) في بداية العام الحالي 2016، وخاصة عقب تدفق كميات إضافية للسوق العالمية، وتباطؤ نمو بعض الاقتصادات العالمية، مثل الصين وما تبعه من تراجع للطلب على النفط، أدى إلى لجوء بعض الدول إلى رفع أسعار الطاقة محلياً، لتعويض التراجع في إيرادات الدول النفطية، مما قد يكون له آثار سلبية في المدى القصير، وربما المتوسط، على القطاع الصناعي الخليجي، وبالتالي على النمو الاقتصادي ككل في المنطقة، وذلك لأن الوقود يعد مدخلاً أساسياً في عملية الإنتاج للقطاع الصناعي، فارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، والمتمثلة بالمشتقات النفطية والكهرباء، سيؤثر بدرجات مختلفة على بعض الصناعات في دول الخليج كالصناعات الغذائية والمشروبات، وصناعات مواد البناء التي تحتاج إلى عمليات النقل، وصناعات البتروكيماويات والصلب والألومنيوم لاستهلاكها كميات كبيرة من الطاقة، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج لتلك الصناعات.
كذلك بعد هبوط أسعار النفط من المحتمل أن تسعى بعض حكومات دول المجلس المتأثرة بذلك إلى فرض رسوم على المشتقات النفطية، ورفع الدعم عن بعض السلع والخدمات، بما يتماشى مع قوانين وقواعد منظمة التجارة العالمية، حتى تحافظ على التوازن الداخلي للاقتصادات، بالإضافة إلى إمكانية زيادة الضرائب أو فرض ضرائب جديدة على القطاعات الاقتصادية.
ونتائج هذه القرارات والإجراءات الوقائية قد ترتب تكاليف إضافية على الصناعات الوطنية في دول المجلس، ما يقلل من تنافسيتها أمام السلع المماثلة المستوردة من دول غير منتجة للنفط، والتي استفادت من هبوط أسعار النفط في عملياتها الإنتاجية، وإنتاج سلع أقل تكلفة من السلع المحلية المماثلة.
كما أنه من المتوقع أن تتأثر البيئة الاستثمارية لقطاع الصناعة، وخصوصاً البنية التحتية نتيجة التباطؤ المتوقع في الإنفاق الحكومي، مما قد يحد من التوسع في إقامة بنى تحتية جديدة، أو توسيع البنى التحتية القائمة وصيانتها، ويؤجل خطط إقامة وتطوير المناطق الصناعية، كذلك فإن تراجع الإيرادات النفطية قد يؤثر على قدرة الدول والمؤسسات المالية على تقديم التسهيلات للصناعات النوعية والصناعات الصغيرة والمتوسطة.
ولكن على الرغم من كل ما تقدم، لا ننسى أن هناك صناعات كثيرة قائمة في دول المجلس تعمل بكفاءة عالية، وقد أثبتت وجودها وقدرتها على البقاء، وهي قادرة على المنافسة والاستمرار في ظل التحديات ودون الاعتماد على أسعار الطاقة المنخفضة والتسهيلات الضريبية التي تحصل عليها، وتأتي في مقدمتها الصناعات البتروكيماوية والصناعات الغذائية.
في رأيي ورأي كثير من المحللين، فإن الانخفاضات المتوالية في أسعار النفط تعتبر فرصة سانحة أمام دول المجلس لإعادة هيكلة اقتصاداتها على المدى الطويل، بحيث يتوقف الهدر في الاستخدام المفرط لمصادر الطاقة واستمرارية الاعتماد على موارد النفط لتغطية النفقات الاستهلاكية، دون التركيز على الاستثمار في المجالات التي تصب في هدف تحقيق التنمية المستدامة وتطوير القطاعات الإنتاجية، حيث تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي لحلول إصلاحية جذرية وطويلة الأمد، في إطار رؤية كلية مستقبلية للخروج من الأزمة، تتمثل بالتحول من كونها دولاً معتمدة بشكل كبير على مصدر دخل واحد (النفط) إلى دول إنتاجية مصنعة، واستغلال الفوائض النفطية في تنويع قاعدة الإنتاج، وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي بدعم الصناعة والقطاع الخاص، بدلاً من الاعتماد على القطاعات ذات الربحية السريعة، مثل: البورصة والعقارات والسياحة، وتعزيز سياسة الاقتصاد الحر، وزيادة الكفاءة في التشغيل، وتوظيف التقنيات التي تعمل على توفير الطاقة، وتعزيز الصناعات الصديقة للبيئة في منطقة الخليج، وتشجيع أنشطة القطاع الصناعي على استخدام مصادر الطاقة المتجددة، مما يحد من كثافة استهلاك الطاقة التقليدية، ويقلل من انبعاثات الكربون، ويجعل من المنطقة بيئة جاذبة للاستثمارات العابرة للقارات، الأمر الذي سيحقق النمو الاقتصادي والاستدامة لثروة أجيال المستقبل.

- تتجه دولة قطر لتنويع الاقتصاد الوطني وتعزيز الصناعات المعرفية وتقليل الاعتماد على الصناعات الهيدروكربونية.. كيف تشخصون ذلك؟
لقد أصبح الاقتصاد العالمي أكثر تعقيداً، واستجدت أمور لابد من التعامل معها لتعزيز الأداء الاقتصادي لأي دولة تنشد تعزيز أدائها الاقتصادي، وقد خطت دولة قطر خطوات صحيحة في طريقها لتحقيق التنمية المستدامة، عندما وضعت رؤية قطر الوطنية 2030، التي انبثقت عنها إستراتيجية التنمية الوطنية الأولى (2011-2016) من أجل تحقيق ذلك الهدف، فقد ارتأت القيادة الرشيدة للدولة في مرحلة مبكرة ضرورة التنويع الاقتصادي، إدراكاً منها بإمكانية نضوب مواردها الطبيعية، وبمخاطر انخفاض أسعار النفط العالمية وتذبذبها.
ونتج عن العمل الدءوب نحو تحقيق رؤية قطر 2030 تسجيل نجاح ملموس في مجال التنويع الاقتصادي، فقد أكدت الإحصاءات الرسمية نمو القطاعات غير النفطية بشكل تصاعدي خلال الخمس سنوات الماضية بمعدل بلغ حوالي 15% سنوياً، وهو أعلى من معدل نمو القطاع النفطي، الذي تقلص لتصل حصته إلى حوالي 51% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2014 بعد أن كان يستحوذ على معظم الناتج المحلي.
كما أصبحت دولة قطر إحدى الوجهات الجاذبة للاستثمار الأجنبي في الشرق الأوسط، نتيجة الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصاد المزدهر، حيث تشير الإحصاءات إلى نمو الاستثمار الأجنبي في الدولة حوالي 17% خلال السنوات العشر الماضية.
صحيح أن دولة قطر ليست لها حالياً إستراتيجية صناعية ترسم اتجاه وآليات تعزيز الصناعات المعرفية، إلا أن رؤية قطر 2030 تضمنت التوجه نحو الاقتصاد المعرفي لاستمرارية تحقيق التنمية الاقتصادية، والذي يعد رأس المال البشري عاموده الفقري، ويجب تطويره بمستويات عالية من المعرفة والعلم، ورفع قدرته على تنفيذ المهام المعقدة، والتكيف مع التطورات الاقتصادية العالمية، ومواكبة أنظمة الإنتاج المتطورة وعالية التقنية، مما تطلب تعزيز قطاع التعليم في الدولة، وأدى إلى نموه بحوالي 17.2% خلال الفترة (2010-2014)، حيث تم تأسيس المدينة التعليمية، التي اشتملت على جامعات ومعاهد متخصصة لتطوير التعليم والبحث العلمي في الدولة. كذلك برز الاهتمام بالصناعات البتروكيماوية، وإدخال مزيد من الأبعاد المعرفية، ومحاولة ربط هذه الصناعات بمراكز البحث والتطوير محلياً وعالمياً، لتطويرها من خلال الابتكارات ودخول رأس المال الأجنبي المباشر للاستثمار فيها.
فالصناعات المعرفية تساعد في إحداث التحول المطلوب نحو تنويع القاعدة الإنتاجية، والاقتصاد المعرفي.
إلا أن تلك الصناعات تعتمد على وجود بيئة علمية وتكنولوجية، وعمالة فنية ماهرة ومدربة على الهندسة العكسية، وشبكة من مراكز البحث العلمي والتطوير والابتكار محلياً وعالمياً.
وتعتبر الصناعات المعرفية في البرمجيات وتكنولوجيا النانو مناسبة لدولة قطر، خصوصاً مع ارتفاع تكلفة توفير مساحات جديدة من الأراضي المناسبة للصناعة، حيث إن هذه الصناعات لا تحتاج لأراضٍ واسعة كما أنها أقل ضرراً للبيئة.

- كشفت دراسة أن هناك خمسة معوقات تقف في طريق تقدم البحث العلمي والتطوير للقطاع الصناعي في دول الخليج، منها عدم وجود منهجية واضحة لتمويل البحوث، ضعف دور القطاع الخاص في هذا التمويل، غياب إستراتيجية خليجية للبحث والتطوير، ضعف وعي المؤسسات الصناعية بأهمية البحث العلمي في تطوير أعمالها أو منتجاتها، إضافة إلى عدم وجود دليل لتصنيف مراكز البحوث الخليجية.. ما تعليقكم؟
هذه المعوقات صحيحة إلى حد كبير، لكن نحن نقترح تفعيل الشراكة والتعاون مع مراكز البحوث والمؤسسات الصناعية من خلال زيادة المؤسسات الصناعية لمراكز البحوث والتطوير لبناء تعاون وشراكة بين هذه المراكز وبين المؤسسات الصناعية، وعقد المؤتمرات وورش العمل المشتركة، وإنشاء هيئات لتنظيم مثل هذا التعاون، كمجالس البحث ومراكز دعم الابتكار الصناعي، وتقديم الدعم المالي لمراكز البحوث، بالإضافة إلى قيام مراكز البحوث بتسويق خدمتها وعرض قدراتها.

- على الرغم من تزايد الاهتمام الحكومي بالبحث العلمي في دول المجلس، فإنها متأخرة نسبياً مقارنة ببعض دول العالم التي شهدت ازدهاراً اقتصادياً وتحولاً صناعياً سريعاً مثل الصين وكوريا وأيرلندا.. كيف تمكن معالجة هذه المعضلة؟
لابد من توفير الاهتمام والدعم المالي من قبل الحكومات، بالإضافة إلى وضع إستراتيجية وطنية للبحث العلمي على مستوى كل دولة من دول المجلس، أسوة بدولة قطر التي لديها إستراتيجية للبحث العلمي.
وكذلك يجب العمل على رفع مستوى وعي المؤسسات الصناعية وغيرها بأهمية البحث العلمي في تطوير أعمالها أو منتجاتها، بالإضافة إلى وضع دليل بمراكز البحوث الخليجية مصنف وفقاً لمجال البحث، يساعد المؤسسات الصناعية على استخدام الخدمات عند الحاجة.
بالإضافة إلى تعزيز ثقافة البحث العلمي في المجتمع مع زيادة الحوافز للعاملين فيه، حتى لا يتجه الأفراد للبحوث الأكاديمية، مما يضعف من دور البحث العلمي في الإسهام في عملية التنمية الاقتصادية والصناعية.

- هناك موارد طبيعية كبيرة في المنطقة لكن الصناعة غير مواكبة للاستفادة منها في تطوير وتنويع الإنتاج الصناعي غير التقليدي.. كيف تستفيد دول الخليج من المواد الأولية التي تملكها وتحويلها لقيمة مضافة؟
على الرغم من توفر الموارد الطبيعية التي تحتاجها الكثير من أنشطة القطاع الصناعي في منطقة الخليج، فإنه لا يتم استغلالها جميعها بطريقة مثلى تحقق تنويع القاعدة الإنتاجية للقطاع الصناعي فيها، فلا يزال الفكر الريعي في استخدام الموارد هو السائد محل الفكر الاقتصادي، الذي يهدف لإنتاج قيمة مضافة تؤدي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.
ولا يزال هناك عدد كبير من شركات القطاع الصناعي في المنطقة تفتقر إلى ثقافة تحقيق الكفاءة الإنتاجية واستغلال الموارد المتاحة، مما يفقده القيمة المضافة العالية والميزات التنافسية، وبالتالي الدخول إلى الأسواق العالمية بشكل واسع.
وهنا تبرز الحاجة لإقامة علاقات وثيقة فيما بين الشركات المحلية للقطاع الصناعي في دول الخليج، للبحث عن الموارد الطبيعية المشتركة التي يمكن استغلالها بكفاءة، والحرص على جعل الموارد الكربوهيدراتية المتوفرة في دول الخليج ذات قيمة مضافة عالية، من خلال معالجتها لتصبح لقيماً بتروكيماوياً لسلاسل من الصناعات التحويلية تنتج عنها منتجات استهلاكية نهائية.
كذلك فقد أصبح من الضروري استغلال مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، نظراً للمناخ السائد ولتوفر المساحة الجغرافية، وخصوصاً في المملكة العربية السعودية، واستخدامها كبديل للموارد التقليدية للطاقة المضرة للبيئة والمؤثرة سلباً على المناخ الطبيعي العالمي، مما يستدعي تبني إستراتيجيات الطاقة النظيفة في المجالات الإنتاجية وعمليات التشغيل في مصانع دول الخليج.
هذا النوع من التحولات في اتجاه الصناعة يتطلب إرادة سياسية ورؤية قوية لاستشراف التحولات المستقبلية في الصناعة العالمية.
لقد طرحت منظمة الخليج للاستشارات الصناعية في مؤتمر الصناعيين الخامس عشر الذي عقدته مؤخراً اقتراحاً، يتمثل بتوجه السياسات الاستثمارية نحو أسلوب استقطاب الشراكات الإستراتيجية في الاستثمار الصناعي، حيث يتم التعاقد مع شركات عالمية رائدة تقوم بتقديم التكنولوجيا والإمكانيات الفنية، بينما يقوم المستثمر المحلي بتقديم التمويل اللازم للمشروع.
وقد يكون هذا الأسلوب هو الأكثر ملاءمة لاستغلال الموارد الطبيعية المتوفرة في المنطقة، خصوصاً أن هذا النوع من الاستثمارات يتطلب تقنيات حديثة، كما يتطلب قدرات إدارية وإمكانيات فنية عالية قد لا تكون متوفرة في المنطقة.

- تحسين تنافسية الإنتاج الصناعي الخليجي في الأسواق الخارجية معضلة كبيرة.. كيف ترون معالجة الأمر وتحسين البيئة التنافسية؟
إن تحسين تنافسية الإنتاج الصناعي الخليجي في الأسواق الخارجية يأتي من خلال رفع جودة المنتج، وتطبيق المعايير الأوروبية على المنتجات التي تقدم على سبيل المثال للسوق الأوروبية، حتى تستطيع النفاذ للأسواق الأوروبية، بالإضافة إلى الترويج للمنتجات، ومعرفة طبيعة السوق التي سيتم التصدير لها نقطة جوهرية في النفاذ للسوق.

- هل التشريعات والقوانين والتسهيلات والحوافز التي يحصل عليها الصناعيون والبيئة الاستثمارية الحالية مشجعة وتساهم في استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية لتطوير الصناعة الخليجية؟
إن تقارير المنظمات والهيئات المتخصصة في تقييم مدى نجاح الدول في استقطاب الاستثمارات الأجنبية تشير إلى أن معدلات نمو هذه الاستثمارات بدول المجلس يعتبر من المعدلات الجيدة، وإن تباينت دول المجلس فيما بينها في هذا الشأن.
والجانب الأكثر أهمية في موضوع استقطاب الاستثمارات الأجنبية بالنسبة لدول المجلس - التي لا تعاني شحاً في رؤوس الأموال، بفضل الله سبحانه وتعالى - يتعلق بمدى فاعلية الاستثمارات الأجنبية في نقل المعرفة والتكنولوجيا وتوطينها بدول المجلس.
وقد ركز مؤتمر الصناعيين الخامس عشر الذي قامت جويك بتنظيمه في دولة الكويت مؤخراً تحت شعار الاستثمار الأجنبي المباشر وأثره على الصناعات الخليجية على مناقشة هذا الجانب باهتمام بالغ.
ورغم تحقيق بعض النجاحات في الطريق للوصول إلى ما تصبو إليه دول مجلس التعاون الخليجي من تكامل في أنشطتها الصناعية خصوصاً فيما يتعلق بسن الأنظمة والتشريعات والإعفاء من الرسوم الجمركية، لا يزال القطاع يحتاج لمزيد من التعاون، الذي يضمن تطبيق توحيد تشريعات وأنظمة الصناعة الخليجية على أرض الواقع بدلاً من واقعها النظري حالياً، إضافة إلى توزيعها على عموم رقعة دول المجلس بشكل يشجع على إقامة المزيد من المشروعات الأساسية الموزعة على دول المجلس حسبما تدعو إستراتيجيته الموحدة لتنمية الصناعة في دوله.
ونرى أنه من الأهمية تطبيق ما تم الاتفاق عليه من أنظمة وتشريعات وإعفاءات من قبل دول المجلس، فهذا أمر مفيد ومهم ليحقق التكامل الصناعي بين دول المجلس، ولكن ذلك يتطلب تطبيقه عملياً على أرض الواقع، حيث لا يزال هناك قصور في التنفيذ وتمايز في التطبيق بين دولة وأخرى، سواء في نواحي الإعفاء الجمركي أو التسهيلات حين الرغبة في الاستثمار.

- تتحرك دول التعاون لتحقيق الأمن الغذائي الإستراتيجي المنشود.. كيف ترى دور القطاع الصناعي في دعم هذا التوجه؟
يمكن للقطاع الصناعي أن يلعب دوراً رئيسياً في تحقيق الأمن الغذائي، وعلى الرغم من محدودية الأراضي الزراعية في منطقة الخليج، فإن تعاون دول المجلس مع دول زراعية أخرى، ووجود صناعات غذائية مزدهرة في دول المجلس يمكن أن يعزز من الأمن الغذائي في المنطقة، ويمكن في هذا الإطار التركيز على تكاملية مشاريع تحلية المياه، التي تعد من المكونات الأساسية للأمن الغذائي.
كذلك من المهم في هذا المجال التركيز على مسألة الخزن الجماعي للمواد الغذائية بين دول المجلس، وضرورة توسيع التجارة البيئية والتكامل الصناعي خصوصاً في المواد الغذائية والسلع الضرورية التي يتم إنتاجها في دول المجلس.

- هناك دعوات لتأطير العلاقة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق تنمية مشتركة ومستدامة لبناء شراكة حقيقية وتعزيز إستراتيجية القدرة التنافسية لمنتجاتهما.. كيف يمكن تفعيل ذلك على الأرض؟
جميع دول المجلس أكدت، في الرؤى الوطنية لها والإستراتيجيات التنموية، على أهمية القطاع الخاص كشريك في التنمية، وعلى ضرورة تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ولكن على أرض الواقع لا تزال الأمور تتحسن ببطء.

- هناك مطالب بضرورة التفكير في تطوير الصناعات النفطية لإعادة تصدير المنتجات الخليجية بأسعار أعلى من تصدير النفط كمادة خام.. ما تعليقكم على هذا الطرح؟
هذا طرح تمليه الظروف الراهنة التي تمر بها أسعار النفط الخام في السوق العالمية.
ويعد تطوير الصناعات النفطية لإعادة تصنيع المشتقات النفطية مطلباً يستحق المراجعة والتنفيذ، لأن الاتجاه الحالي في بعض الدول المنتجة للنفط، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، هو أن تقوم بتكرير النفط الخام بدلاً من تصديره، واستغلال المشتقات النفطية المختلفة كالبنزين مثلاً لاستخراج مادة الاستيارين، التي تدخل في تصنيع المطاط الصناعي، وخلق علاقات تشابكية لإنتاج مواد جديدة من المشتقات النفطية كافة.
ومرة أخرى يلعب البحث والتطوير والابتكار دوراً مهماً في إنتاج مواد جديدة كفيلة بتوسيع صناعة البتروكيماويات في دول المجلس، وتحقيق عوائد مادية قد تُعوِّض ما لحق بالبترول الخام من خسائر نتيجة تراجع أسعاره في الأسواق العالمية.