في مؤشر على الرغبة في مواصلة استخدام الخيار الدبلوماسي وتفضيله على غيره من الخيارات، تشهد موسكو غدا /الخميس/ لقاء قمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، لمناقشة الوضع المتفاقم والتطورات العسكرية الأخيرة في منطقة إدلب بشمال سوريا، والتي شهدت خلال الأسابيع القليلة الماضية معارك عنيفة بين القوات التركية وقوات النظام السوري التي تحاول تغيير الوقائع والحدود على الأرض، في تناقض واضح للتفاهمات المبرمة خلال لقاءات سوتشي وأستانا.
وتأتي القمة بعد سلسلة من التحضيرات واللقاءات على مستوى الوزراء والخبراء من الجانبين والتي شددت خلالها أنقرة على ضرورة إرساء وقف لإطلاق النار بالمحافظة، وتطبيق مذكرة تفاهم سوتشي بالكامل، وضرورة منع تحول الوضع الإنساني في المنطقة إلى كارثة، ومنع الهجرة الجماعية المحتملة.
واعترف الكرملين بأن مباحثات القمة لن تكون سهلة، لكن الجانبين سيعملان على مقاربة وجهات نظرهما بشأن كيفية تنفيذ اتفاقيات سوتشي، والتعهدات التي يجب على كل طرف الوفاء بها، واستبعد وقوع مواجهة فعلية بين القوات الروسية والتركية في إدلب، وقال إن موسكو وأنقرة قادرتان على خفض مثل هذه المخاطر بشكل مطلق بفضل ما بين عسكريي البلدين من تواصل وحوار وثيقين.
وكانت قوات النظام السوري قد شنت سلسلة من الهجمات الواسعة على المناطق المحررة بشمال سوريا في الفترة الأخيرة وتجاوزت الخطوط الحمراء بتمركزها داخل منطقة خفض التصعيد، وضمها مناطق توجد فيها أكثر من عشر نقاط مراقبة تركية، وردت تركيا بالإصرار على انسحاب قوات النظام إلى الخطوط الأمامية لإدلب التي تم تأسيسها في اتفاق خفض التصعيد لعام 2017.. لكن دمشق وموسكو تجاهلتا هذا المطلب، واستولتا على المزيد من الأراضي ما دفع القوات التركية للتدخل لتحديد خطوط نفوذها على الأرض، ولتوضح للروس أن تقدم قوات النظام يهدد المجال الحيوي التركي، وهو خارج الاتفاقات المعقودة بينهما، ويتجاوز تأمين الطرق الدولية، ويخلق موجة لجوء جديدة لا تستطيع تركيا تحملها، بينما ترفض أوروبا استقبال المزيد من اللاجئين السوريين.
وقد تسبب القتال من أجل السيطرة على محافظة إدلب في حدوث أزمة إنسانية تخشى الأمم المتحدة أن تكون الأسوأ من نوعها منذ بدء الحرب الأهلية السورية قبل تسعة أعوام وذلك مع تجمع أكثر من مليون لاجئ سوري على الحدود التركية.
وتعد محافظة إدلب آخر منطقة خاضعة لسيطرة المعارضة السورية المسلحة، وتبلغ مساحتها 6100 كيلومتر مربع، وتبعد نحو 60 كيلومترا عن مدينة حلب و132 كيلومترا عن اللاذقية، و320 كيلومترا عن دمشق، وتشترك إدلب مع تركيا بـ130 كم من الحدود البرية، وتشكل جانبا أمنيا يمس المناطق الحدودية التركية التي كانت تتعرض باستمرار لهجمات إرهابية، تسببت في مقتل مواطنين أتراك، ونشرت حالة من الرعب والقلق وعدم الاستقرار بحياة سكان تلك المناطق، كما تنظر تركيا بقلق بالغ لوجود نحو أربعة ملايين إنسان بمنطقة إدلب يبحثون عن مكان آمن يلجؤون إليه.
وتقول مصادر دبلوماسية في موسكو إن القضية الرئيسية بقمة بوتين أردوغان هي حجم الجيب المتبقي من الأراضي السورية التي ستظل بيد قوات المعارضة السورية وأضافت أن أردوغان يريد منطقة بعمق 48 كم، بينما تتحدث موسكو عن شريط بعمق 12 كم.
ويستبعد محللون في موسكو اندلاع مواجهة روسية تركية كونها تشكل كارثة للطرفين، لكنهما مصممان على تجنبها، ويتوقع هؤلاء التوصل لحل وسط خلال قمة موسكو وقالوا إنه من دون مثل هذا الحل ليست هناك طريقة للخروج من المأزق، وإن تكثيف العمليات القتالية لن يؤدي سوى إلى زيادة تدفق اللاجئين إلى تركيا.
ويتحدث مراقبون في إسطنبول وموسكو عن العديد من السيناريوهات المحتملة للأوضاع في إدلب خلال الفترة المقبلة، ويرون أن العلاقة بين روسيا وتركيا التي وضع أسسها خلال السنوات القليلة الماضية الرئيسان أردوغان وبوتين تمر حاليا بمرحلة حرجة، لكن تركيا ما زالت معنية بعلاقات طبيعية مع الجارة الروسية على المدى الطويل.
ويضيف المراقبون أن المصالح الاقتصادية للدولتين ستحول دون تدهور الأوضاع بينهما وستدفعهما للعمل من أجل اتفاق جديد يرسم بصورة دقيقة ملامح العلاقات الثنائية، وقد يشمل فتح الطرق الدولية، وتحديد تواجد قوات النظام بمواقع معينة، أو استبدالها بقوات روسية تركية مشتركة، وفرض مناطق منزوعة السلاح، وعدم عودة قوات النظام إلى تلك المناطق.
وترتبط روسيا مع تركيا، بعلاقات اقتصادية وتعاون عسكري، وعلاقات استراتيجية في مجال الطاقة والغاز والسياحة، منها خطا الغاز الروسي، السيل الشمالي 2 ، والسيل التركي، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 35 مليار دولار، وبالتالي لن يذهب المسؤولون الروس والأتراك ،حسب المراقبين، إلى حد التضحية بهذه العلاقات، ولن يسمحوا للملف السوري بأن يكون سببا لتدهور العلاقات بين البلدين.
لكن تقارير في أنقرة شددت على أن تركيا لن تتراجع عن تنفيذ تهديدها بإبعاد قوات النظام إلى حدود اتفاق سوتشي، ولن تتراجع بموضوع إدلب، وإن كانت تتحلى بسياسة النفس الطويل، كما فعلت خلال العمليات السابقة، في درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، حيث كانت تعطي الدبلوماسية الوقت الأكبر، لتأخذ مداها، على افتراض أن ما يتحقق بالدبلوماسية لا داعي لتحقيقه بالقوة.