أطفال اليمن يسبقون طفولتهم ويلتحقون بالمقاتلين

alarab
حول العالم 03 نوفمبر 2014 , 10:10ص
صنعاء - د ب أ
أضحى تجنيد الأطفال في اليمن ظاهرة بارزة وذلك بالتزامن مع ارتفاع وتيرة المواجهات المسلحه في البلاد، حيث أصبح منظر الأطفال تحت سن الثامنة عشرة وهم يحملون السلاح ويشاركون في القتال او يتجولون بأسلحتهم في الشوارع امراً مألوفا لدى الناس.

إلا ان ما لم يكن مألوفاُ هو رؤية الأطفال المسلحين يتجولون بأسلحتهم في شوارع العاصمة صنعاء، حيث بدأت هذه الظاهرة بالإنتشار مؤخراً، لاسيماً بعد سيطرة جماعة انصار الله (الحوثيين) على صنعاء في 21  سبتمبر الماضي.

يقف الطفل خ.ر.، البالغ من العمر 17عاماً، في احد شوارع العاصمة صنعاء يومياً حاملاً على كتفه سلاحاً يكاد يوازي طوله. 
ما تزال علامات الطفولة بادية عليه ويدل على ذلك شعيرات شاربه التي بدأت في النمو للتو.
يقف خ.ر. إلى جانب أصدقائه المسلحين التابعين لجماعة انصار الله (الحوثي)، في الشارع ويؤدي مهمته في حماية المربع الأمني الذي يقفون فيه فيما يُعرف بـ "نقطة التفتيش" في شارع الدائري بالعاصمة صنعاء.
في صباح كل يوم يأتي خ.ر. إلى نقطة التفتيش تاركاً أسرته المكونة من 10 اشقاء إلى جانب والديه، وذلك لتفتيش السيارات المارة في الشارع بغرض حماية الأمن وتنظيم حركة السير، حسب قوله.

وقد قامت جماعة الحوثي بنصب نقاط التفتيش في العديد من شوارع العاصمه بعد أن سيطروا عليها وذلك لحفظ الأمن ومنع حدوث أي هجمات ارهابية او إعتداءات على المصالح العامه، على حد قولهم.

إنضم خ.ر. إلى جماعة الحوثي منذ أن كان في الـ 15 من عمره تاركاً طفولته ومدرسته منذ تلك الفترة. ويقول لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) "نحن نسعى للجهاد وفداء الوطن بدمائنا وأرواحنا".
خ.ر. هو واحد من بين الآف الأطفال اليمنيين الذين أجبرتهم ظروفهم على الإلتحاق بصفوف القتال، سواءً مع الجماعات المسلحة والمتطرفة أو في صفوف الجيش. وبدلاً من أن تكون الألعاب هي ما يملكه هؤلاء الأطفال، أصبحت أسلحة الكلاشينكوف والرصاص الحي هي ألعابهم التي يفاخرون بها.
ولا يخفى على أحد صور القتلى الذين سقطوا خلال تلك المعارك حيث لا تكاد تلك الصور تخلو من منظر أطفال ملطخين بدمائهم سقطوا وهم يقاتلون في صفوف هذه الجماعه او تلك.

وعادة ما تُفجع اسر هؤلاء الأطفال بوفاة اطفالهم في الحروب والمعارك التي تنشب هنا وهناك بين الفينة والأخرى.

تحاول والدة ع.ج. ان تكفكف دموعها التي ما تلبث ان تنساب على خديها كلما تذكرت ولدها ع.ج. الذي سقط في إحدى المواجهات في محافظة صعده.
وتحكي والدة ع.ج.، وهي ربة بيت في العاصمة صنعاء، مأساتها حين فقدت ولدها البكر ع.ج. البالغ من العمر 18 عاماً وهو يقاتل إلى جانب السلفيين في المعارك التي دارت في محافظة صعده الواقعة شمال اليمن بين السلفيين "السنة" والحوثيين "الشيعة" منذ ما يقارب أكثر من عام.

"ألتحق ولدي بإحدى مدارس علوم الدين التابعة لأهل السنة في محافظة صعده منذ أن كان في الـ 16، وما أن نشبت المعارك بين السلفيين والحوثيين حتى سمعت أنه التحق بصفوف المقاتلين السنة" تقول والدة ع.ج.

وعلى الرغم من أن والدة ع.ج. مانعت تلك الفكرة بشدة انذاك، إلا ان والده شجعه وبقوة وكان يقول:"سيموت ولدي شهيداً". وتقول والدة ع.ج. لـ (د.ب.أ): "تمنيت لو عاش ولدي حياة الطفولة كغيره من الأطفال في بلدان العالم. لطالما تمنيت ان يكون طبيباً أو مهندساً ولولا مشاركته في القتال لكان الآن طالباً في إحدى الجامعات ولكن هذه الأقدار".
ويرى العديد من الإستشاريين في مجال علم النفس ان الأطفال هم أكثر عرضة للاستقطاب من قبل الجماعات المسلحة والمتطرفه كونهم لا يملكون القناعة الكلية فيما يريدونه.
ويرى الدكتور صلاح الدين الجماعي، استشاري علم نفس، أن تفكك الأسر والفقر تعتبر من ضمن الأسباب التي أدت إلى تفشي ظاهرة استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة في اليمن.

ويقول لـ (د.ب.أ): "من ضمن الأسباب ايضاً هو قيام بعض الأسر التي فقدت أحد افرادها في الحروب بالزج بأبنائها في حروب أخرى في شيء هو أقرب ما يكون إلى الثأر".

ويشير الجماعي إلى ان الجماعات المتطرفة تستقطب الأطفال، المراهقين منهم على وجه الخصوص، وتوهمهم بأنهم سيجدون الحور العين في الجنة. ويقول :"توهم الجماعات المسلحة والمتطرفة الأطفال بأنهم سيصبحون شيئا مهما في المجتمع ويتحكمون بعد ذلك بكل تصرفاتهم..والأطفال هم كالصلصال يمكن تشكيلهم بالشكل الذي تريده تلك الجماعات".
التأهيل والاهتمام بتنمية الأسر والتعليم والتثقيف هي من الحلول التي قد تساعد في التخفيف من هذه الظاهرة، التي أعتبرها الجماعي إحدى "الجرائم" الموجودة في اليمن.
ويعتبر تجنيد الأطفال في اليمن احد الانتهاكات الجسيمة التي تطال هذه الفئة العمرية، وتشكل تحدياً للحكومة لمدى التزامها بالإتفاقية التي وقعتها لضمان حماية الطفولة.
وكانت الحكومة اليمنية قد وقعت في أيار/ مايو خلال العام الجاري خطة مع الأمم المتحدة لإنهاء ظاهرة تجنيد الأطفال من قبل القوات المسلحة اليمنية، الأمر الذي وصفته "اليونسيف" آنذاك "بالتاريخي"، وقال رئيس الوزراء السابق محمد سالم باسندوه إنه يجب الإلتزام بتلك الخطة لضمان خلو القوات المسلحة من الأطفال".
وتتضمن خطة العمل خطوات ملموسة لتسريح جميع الأطفال المرتبطين بالقوات الأمنية الحكومية، وإعادة إدماجهم في مجتمعاتهم، والحيلولة دون إعادة تجنيدهم، حيث تشتمل إجراءات الخطة، على إصدار ونشر أوامر عسكرية تحظر تجنيد واستخدام الأطفال تحت سن الثامنة عشرة، مع التحقيق في دعاوى تجنيد واستخدام الأطفال من قبل القوات الحكومية اليمنية، وضمان وقوع المسؤولين عنها تحت طائلة المساءلة، حسب مركز أنباء الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من هذه الخطوة الإيجابية التي قامت بها الحكومه للتخفيف من ظاهرة تجنيد الأطفال في اليمن، يرى أحمد القرشي، رئيس منظمة "سياج" لحماية الطفولة، أن الدولة لم تهتم بالتخفيف من هذه الظاهرة إلا على الصعيد النظري فقط.
ويقول القرشي لـ (د.ب.أ) إن الأوضاع التي تشهدها اليمن في الوقت الراهن ساهمت في زيادة نسبة تجنيد الأطفال: "ارتفاع رقعة النزاعات في اليمن..وضعف المؤسسات الأمنية واستقواء المليشيات المسلحة عليها وسيطرتها على البلاد وعلى العاصمة صنعاء أدى إلى رفع نسبة تجنيد الأطفال خاصة في صفوف تلك الجماعات".

وأوضح القرشي أن هذه الظاهرة تحتاج إلى خطوات عملية من خلال حملات التوعية المستمرة، وإيجاد البدائل.. كالمعاهد التقنية للشباب الذين تسربوا من المدارس..بالإضافة إلى كشف بشاعة تجنيد الأطفال وما يترتب عليه من انتهاكات لحقوقهم، ومن ضمنها الانتهاكات الجنسية.
ويضيف القرشي أنه يجب معاقبة كل من يقوم بتجنيد الأطفال وهو ما ليس موجوداً للأسف في القانون اليمني القديم:"لا يوجد في التقنين اليمني شيء اسمه تجريم تجنيد الأطفال..كيف سيكون هناك قانون مثل هذا مادام من يقومون بتجنيد الأطفال واستغلالهم في ساحات الحروب هم من يسيطرون على قبة البرلمان عدا القلة منهم".
وأشار القرشي إلى أنهم يسعون لوضع مواد خاصة في القانون اليمني الجديد لتجريم تجنيد الأطفال.

وأكد القرشي عدم وجود إحصائيات مؤكدة حول تجنيد الأطفال أو عدد الضحايا، كون الجهات الأمنية تتحفظ على الإدلاء بأي معلومات حول هذه القضية، إلى جانب التكتم الشديد من قبل المليشيات المسلحة والقبائل، إلا أنه أشار إلى أن تجنيد الأطفال تخطى عشرات الآلاف، والكثير منهم يتلاعب في الأعمار.

وفي تقرير لليونسيف أصدرته في العام الجاري حول وضع الأطفال في اليمن، قالت المنظمة ان الأمم المتحدة سجلت خلال الفترة المشمولة بالتقرير 84 حالة تجنيد واستخدام للأطفال، وكانت 69 حالة من بين تلك الحالات ضد الأطفال الذين تتراوح اعمارهم بين 10 و17 عاماً. وقد تم التحقق من هذه الحالات والإبلاغ عنها.

وتعمل منظمة سياج لحماية الطفولة على التصدي لهذه الظاهرة منذ عام 2009، وذلك بالتعاون مع اليونسيف، والسفارة الألمانية في العاصمة صنعاء، وكثفت المنظمة حملاتها خلال عامي 2011- 2012 نظراً لإتساع رقعة المواجهات المسلحة في اليمن حتى يومنا هذا.

وقد تم ادراج اليمن إضافة إلى سبع دول أخرى، على قائمة الدول التي تجند الأطفال.

وفي آذار / مارس الماضي أطلق الممثل الخاص للأمم المتحدة واليونسيف حملة "أطفال" لا "جنود" من أجل وضع حد لهذه الظاهرة بحلول عام 2016.

هذا وكانت الأمم المتحدة قد أصدرت تقارير سابقة شملت قائمة بالجهات التي تعمل على تجنيد وإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة في اليمن، وهي القوات الحكومية والحوثيين والقاعدة وبعض القبائل.