

في تحرك إنساني عالمي جديد، يهدف إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة وإيصال المساعدات الإنسانية إلى سكانه، انطلق من ميناء برشلونة الإسباني أمس الأحد "أسطول الصمود العالمي" بمشاركة واسعة من ناشطين وشخصيات دولية بارزة.
ويضم الأسطول عشرات القوارب والسفن القادمة من تونس وإيطاليا واليونان ودول أوروبية أخرى، تحمل على متنها مساعدات إنسانية ومئات الناشطين من 44 دولة، إلى جانب مشاركة أكثر من 30 ألف شخص في الفعاليات المساندة لانطلاقه.
وفي لحظة إنسانية اسثنائية، تجمع العالم أمس الأحد، في برشلونة المدينة الكاتالونية التي قطعت جميع الروابط المؤسسية مع إسرائيل هذا العام احتجاجا على "الإبادة الجماعية" في غزة، حيث توافد آلاف النشطاء إلى الميناء منذ أسابيع.
ومع حلول الساعة الثالثة والنصف من عصر أمس، دقت ساعة الصفر، وأطلقت السفن صفاراتها إيذانا ببدء الرحلة، وارتفعت الأعلام الفلسطينية عاليا، تزامنا مع هتافات الحشود المطالبة بالحرية والعدالة.
وقد سادت أجواء مشحونة بالعواطف، حيث امتزجت دموع الوداع بابتسامات الأمل، في لحظة تجسدت فيها مشاعر التضامن والالتزام الإنساني وبينما ودع الناشطون المشاركون في القافلة أحباءهم على الشاطئ، كانوا يدركون جيدا أنهم مقبلون على رحلة محفوفة بالمخاطر، إلا أن عزيمتهم على الاستمرار والمضي قدما لم تتراجع، بل بدت أكثر رسوخا.
ويؤكد المنظمون أن هذا الحصار "غير قانوني وغير إنساني"، إذ يحرم أكثر من مليوني فلسطيني من حقوقهم الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء وحرية الحركة، بالإضافة إلى الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل، وهو حصار وصفه المنظمون بأنه "غير قانوني وغير إنساني"، حيث يحرم أكثر من مليوني فلسطيني من أبسط حقوقهم الأساسية، من الطعام والدواء وحرية الحركة والحصول على الرعاية الصحية والتعليم والعمل.
وفي سياق متصل، قال أعضاء في اللجنة التوجيهية المنظمة خلال مؤتمر صحفي في برشلونة قبيل انطلاق السفن، إنهم يعملون على تأسيس حركة تضامن عالمية مع الشعب الفلسطيني، وأكدوا أن 30 ألف شخص انضموا إليهم لكسر حصار غزة.
من جانبها قالت الناشطة السويدية غريتا تونبرغ وهي عضو اللجنة التوجيهية في "أسطول الصمود العالمي"، إن سفن الأسطول الجديد ستسعى "للوصول إلى غزة وتسليم المساعدات الإنسانية والإعلان عن فتح ممر إنساني ثم جلب مزيد من المساعدات، وبالتالي كسر الحصار الإسرائيلي غير القانوني وغير الإنساني على غزة بشكل نهائي".
ويضم الأسطول في دفعته الأولى نحو ثلاثين سفينة تحمل مساعدات رمزية مثل حليب الأطفال، الدقيق، الأرز، المناديل الطبية، وأدوات الطوارئ، لكن الرسالة الأكبر هي أن الحصار يجب أن ينتهي، ويطالب المنظمون حكومات العالم بالضغط لضمان مرور آمن، مستندين إلى قرارات محكمة العدل الدولية بفتح ممر إنساني إلى قطاع غزة .
أما بقية الأسطول، الذي يضم "مئات القوارب"، فسينطلق من صقلية وتونس واليونان في 4 سبتمبر الحالي، وستلتقي القوارب بعد ذلك في شرق البحر الأبيض المتوسط، في محاولة للالتفاف على الحصار البحري الذي تفرضه إسرائيل، لإيصال المساعدات إلى سكان غزة و وضع حد للإبادة الجماعية المستمرة للشعب الفلسطيني، وفقا لموقع المبادرة الإلكتروني، ومن المتوقع أن يصل الأسطول إلى غزة بحلول منتصف الشهر الجاري.
وينظم هذا التحرك المدني الأكبر من نوعه منذ سنوات، عبر تنسيق بين منظمات رئيسية هي الحركة العالمية نحو غزة، و تحالف أسطول الحرية، وأسطول الصمود المغاربي الذي يضم أكثر من ألف مشارك من دول المغرب العربي، إلى جانب مبادرة "صمود نوسانتارا" الشرق آسيوية من ماليزيا ودول أخرى.
ويهدف التحرك لفتح ممرات إنسانية عبر البحر لإغاثة سكان القطاع، وتسليط الضوء على الأوضاع الإنسانية المتدهورة، حيث يواجه المدنيون خطر المجاعة ونقص الإمدادات الأساسية. وفي هذا الإطار قال سيف أبو كشك المتحدث باسم الأسطول، إن المشاركين في هذه الرحلة يعرفون أن إسرائيل قد تلجأ إلى إجراءات عنيفة ضدهم، لكنهم عازمون على الاستمرار في محاولاتهم حتى يكسر الحصار وتنتهي الإبادة المتواصلة في قطاع غزة.
وتشير مصادر مقربة من المنظمين إلى أنهم يخططون للخطة "ب" إذا تم الاعتراض، وهي العودة والمحاولة مرة أخرى، مع التركيز على الجانب السلمي والإنساني.
ويواجه الأسطول الرابع لكسر الحصار عن غزة هذا العام، تاريخا من الاعتراضات الإسرائيلية السابقة، فهذه ليست المحاولة الأولى، بل هي المحاولة رقم 38 في تاريخ النضال البحري لكسر الحصار عن غزة، غير أنها الأكبر والأكثر زخما، حيث يفوق عدد المشاركين والسفن جميع المحاولات السابقة مجتمعة.
ومنذ عام 2007، انطلقت 37 سفينة باتجاه سواحل القطاع، لم تنجح منها سوى خمس في الوصول إلى شواطئ غزة، أما البقية، فقد تعرضت للمنع والتضييق والقرصنة من قبل القوات الإسرائيلية.
وكانت مجزرة أسطول الحرية عام 2010، التي راح ضحيتها عشرة ناشطين أتراك، هي الأبشع في سجل المحاولات المدنية العالمية لكسر الحصار البحري والبري والجوي الذي تفرضه على القطاع منذ 15 عاما، والذي خلف وراءه معاناة لا توصف.
ويرى مراقبون أن رحلة أسطول الصمود هي صرخة عالمية بوجه الحصار الإسرائيلي والإبادة الجماعية المستمرة ضد أهالي القطاع منذ أكثر من 23 شهرا، والتي أودت بحياة أكثر من ثلاثة وستين ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، ووفاة مئات الأطفال جوعا، وإلى مجاعة كارثية أعلنت عنها الأمم المتحدة في أغسطس الماضي.
ويجمع مراقبون على أن "أسطول الصمود العالمي" قد يتمكن من الوصول إلى غزة، وقد يعترض طريقه، لكن في كلتا الحالتين، فإن الرسالة وصلت، فإذا نجح في فتح ممر إنساني، فسيعد ذلك انتصارا للقانون الدولي ولقيم العدالة، أما إذا قامت القوات الإسرائيلية باعتراضه، كما هو متوقع، فسيكون ذلك دليلا جديدا على جرائم إسرائيل أمام العالم.
ومن زاوية أكثر أهمية، بحسب المراقبين، فإن الأسطول قد حقق إنجازا فعليا تمثل في إعادة قضية حصار غزة إلى واجهة الاهتمام الإعلامي الدولي، وفي توحيد مناصري حقوق الإنسان من مختلف الديانات والأعراق والثقافات تحت راية إنسانية واحدة، كما نجح في إيصال رسالة قوية إلى سكان غزة مفادها: أن غزة ليست وحدها.